Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 48-48)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا … } [ القصص : 48 ] أي : الرسول الذي طلبوه { قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ … } [ القصص : 48 ] سبحان الله ، إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذَكُوراً ، لقد طلبتم مجرد الرسول ولم تطلبوا معه معجزة معينة فقلتم : { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً … } [ القصص : 47 ] والآن تطلبون آيات حِسيِّة كالتي أرسل بها موسى من قبل . والمتأمل يجد أن الآيات قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانت آيات حِسيِّة كونية ، مثل سفينة نوح عليه السلام ، وناقة صالح عليه السلام ، وعصا موسى عليه السلام ، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله بالنسبة لسيدنا عيسى عليه السلام . وهذه كلها معجزات حسية تنتهي بانتهاء وقتها ، فهي مناسبة للرسل المحدودي الزمن ، والمحدودي المكان . أما الرسول الذي أُرسِلَ للناس كافَّة في الزمان وفي المكان ، فلا تناسبه الآية الحسيِّة الوقتَية لأنها ستكون معجزة لزمانها ، وتظل العصور فيما بعد بلا معجزة ، لذلك جاء الحق - تبارك وتعالى - على يد محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة باقية خالدة محفوظة بحِفْظ الله إلى يوم القيامة . وقلنا : إن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كان الرسول يأتي بمعجزة تثبت صِدْق بلاغه عن الله ، ومعه كتاب يحمل منهجه ، فالكتاب غير المعجزة ، أما محمد صلى الله عليه وسلم فجاءت معجزته هي عَيْن الكتاب والمنهج الذي أُرسِل به ليظل الدليل على صِدْقه باقياً مع المنهج الذي يطالب الناس به ، وإلى أن تقوم الساعة نظل نقول : محمد رسول الله وهذه معجزته . أمَّا إخوانه من الرسل السابقين فنقول فلان ، وكانت معجزته كذا على سبيل الإخبار ، والخبر يحتمل الصِّدْق ويحتمل الكذب . وقد صدَّقنا بهذه المعجزات كلها لأن الله أخبرنا بها في القرآن الكريم ، فللقرآن الذي جاء معجزة ومنهجاً الفضل في إبقاء هذه المعجزات لأنه أخبر بها وخلَّد ذكرها . ثم يرد الله عليهم : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ … } [ القصص : 48 ] ثم يحكي ما قالوا عن معجزة موسى ، وعن معجزة محمد { قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا … } [ القصص : 48 ] أي : أن موسى جاء بسحر ، ومحمد جاء بسحر آخر ، وقد { تَظَاهَرَا … } [ القصص : 48 ] علينا يعني : تعاونا ، وهي مأخوذة من الظهر كأنك قُلْت : أعطني ظهرك مع ظهري لنحمل الحِمْل معاً ، والظهْر محلُّ الحمل . والرد على هذا الاتهام يسير ، فمعجزة موسى وإنْ كانت من جنس السحر إلا أنها ليست سِحْراً ، فالسحر يُخيِّل لك أن الحبال حية تسعى ، أمّا ما فعله موسى فكان قلب العصا إلى حية حقيقية تسعى وتبتلع سحرهم ، لذلك أُلقي السحرة ساجدين لأنهم رأوا معجزة ليستْ من جنس ما نبغوا فيه فآمنوا من فورهم . أما الذين قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم : إنه ساحر فالردُّ عليهم بسيط : فلماذا لم يسحركم أنتم أيضاً كما سحر المؤمنين به ؟ ثم يؤكدون كفرهم بكل من الرسولين : موسى ومحمد : { وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } [ القصص : 48 ] .