Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { عَلاَ … } [ القصص : 4 ] من العلو أي : استعلى ، والمستعلَى عليه هم رعيته ، بل علا على وزرائه والخاصة من رعيته ، وعلا حتى على الله - عز وجل - فادَّعى الألوهية ، وهذا منتهى الاستعلاء ، ومنتهى الطغيان والتكبُّر ، وما دامت عنده هذه الصفات وهو بشر وله هوىً فلا بُدَّ أنْ يستخدمها في إذلال رعيته . { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً … } [ القصص : 4 ] جمع شيعة ، وهي الطائفة التي لها استقلالها الخاص ، والمفروض في المُمَلَّك أنْ يُسوِّي بين رعيته ، فلا تأخذ طبقة أو جماعة حظوة عن الأخرى ، أما فرعون فقد جعل الناس طوائف ، ثم يسلِّط بعضها على بعض ، ويُسخِّر بعضها لبعض . ولا شكَّ أن جَعْل الأمة الواحدة عدة طوائف له مَلْحظ عند الفاعل ، فمن مصلحته أن يزرع الخلاف بين هذه الطوائف ويشغل بعضها ببعض ، فلا تستقر بينهم الأمور ، ولا يتفرغون للتفكير فيما يقلقه ويهزّ عرشه من تحته ، فيظل هو مطلوباً من الجميع . والقبط كانوا هم سكان مصر والجنس الأساسي بها ، ثم لما جاءها يوسف - عليه السلام - واستقرَّ به الأمر حتى صار على خزائنها ، ثم جاء إخوته لأخْذ أقواتهم من مصر ، ثم استقروا بها وتناسلوا إلا أنهم احتفظوا بهويتهم فلم يذوبوا في المجتمع القبطي . وبالمناسبة يخطىء الكثيرون فيظنون أن القبطيَّ يعني النصراني وهذا خطأ ، فالقبطي يعني المصري كجنس أساسي في مصر ، لكن لما استعمرت الدولةُ الرومانية مصرَ كان مع قدوم المسيحية فأطلقوا على القبطي مسيحي . لكن ، ما السبب في أن فرعون جعل الناس طوائف ، تستعبد كلٌّ منها الأخرى ؟ قالوا : لأن بني إسرائيل كانوا في خدمة المستعمر الذي أزاح حكم الفراعنة ، وهم ملوك الرعاة ، فلما طُرِد ملوك الرعاة من مصر كان طبيعياً فيمَنْ يحكم مصر أن يضطهد بني إسرائيل لأنهم كانوا موالين لأعدائه ، ويسيرون في ركابهم ، ومن هنا جاء اضطهاد فرعون لبني إسرائيل . والقرآن الكريم حينما يتحدث عن ملوك مصر في القديم وفي الحديث يُسمِّيهم فراعنة ، كما في قوله تعالى : { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 10 ] . وهنا في قصة موسى - عليه السلام - قال أيضاً : فرعون : أما في قصة يوسف عليه السلام فلم يأْتِ ذكْر للفراعنة ، إنما قال { ٱلْمَلِكُ … } [ يوسف : 43 ] وهذه من مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم لأن الحكم في مصر أيام يوسف كان لملوك الرعاة ، ولم يكُنْ للفراعنة ، حيث كانوا يحكمون مصر قبله وبعده لما استردوا مُلْكهم من ملوك الرُّعاة لذلك في عهد يوسف بالذات قال { ٱلْمَلِكُ … } [ يوسف : 50 ] فلم يكُنْ للفرعون وجود في عصر يوسف . فمعنى { يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ … } [ القصص : 4 ] يعني : تستبد طائفة الأقباط ، وهم سكان مصر الأصليون بطائفة بني إسرائيل لينتقموا منهم جزاءَ موالاتهم لأعدائهم . وأول دليل على بطلان ألوهية فرعون أن يجعل أمته شِيَعاً ، لأن المألوهين ينبغي أن يكونوا جميعاً عند الإله سواء لذلك يقول تعالى في الحديث عن موكب النبوات : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ … } [ الأنعام : 159 ] . ذلك لأن دين الله واحد ، وأوامره واحدة للجميع ، فلو كنتم مُتمسِّكين بالدين الحق لجعلتُم الناس جميعاً شيعة واحدة ، لا يكون لبعضهم سلطة زمنية على الآخرين ، فإذا رأيت في الأمة هذه التفرقة وهذا التحزُّب فاعلم أنهم جميعاً مدينون لأن الإسلام - كما قُلْنا - في صفائه كالماء الذي لا طعمَ له ، ولا لون ، ولا رائحة . وهذا الماء يحبه الجميع ولا بُدَّ لهم منه لاستبقاء حياتهم ، أما أن نُلوِّن هذا الماء بما نحب ، فأنت تحب البرتقال ، وأنا أحب المانجو . وهذا يحب الليمون … إلخ إذن : تدخلتْ الأهواء ، وتفرَّق الدين الذي أراده الله مجتمعاً . لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ستفترق أمتي بِضْع وستون ، أو بضع وسبعون فرقة ، كلُّهم في النار إلا ما أنا عليه وأصحابي " . فشيعة الإسلام إذن واحدة ، أما أن نرى على الساحة عشرات الفِرَق والشِّيَع والجماعات ، فأيّها يتبع المسلم ؟ إذن : ما داموا قد فرَّقوا دينهم ، وكانوا شِيعاً فلسْتَ منهم في شيء . ثم يُفسِّر الحق سبحانه هذا الاستضعاف { يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ … } [ القصص : 4 ] فيقول { يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ … } [ القصص : 4 ] وقلنا : إن الإفساد أن تأتي على الصالح بذاته فتفسده ، فمن الفساد - إذن - قتْل الذُّكْران واستحياء النساء لأن حياة الناس لا تقوم إلا باستبقاء النوع ، فقتل الذّكْران يمنع استبقاء النوع ، واختار قَتْل الذكْران : لأنهم مصدر الشر بالنسبة له ، أمّا النساء فلا شوكة لهُنَّ ، ولا خوفَ منهن لذلك استبقاهُنَّ للخدمة وللاستذلال . وحين نتتبع هذه الآية نجد أنها جاءت في مواضع ثلاثة من كتاب الله ، لكل منها أسلوب خاص ، ففي الآية الأولى يقول تعالى : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ … } [ البقرة : 49 ] . وفي موضع آخر : { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ … } [ الأعراف : 141 ] وهاتان الآيتان على لسان الحق تبارك وتعالى . أما الأخرى فحكاية من الله على لسان موسى - عليه السلام - حين يُعدِّد نِعَم الله تعالى على بني إسرائيل ، فيقول : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ … } [ إبراهيم : 6 ] . فالواو في { وَيُذَبِّحُونَ … } [ إبراهيم : 6 ] لم ترد في الكلام على لسان الله تعالى ، إنما وردتْ في كلام موسى لأنه في موقف تَعداد نِعَم الله على قومه وقصده لأن يُضخِّم نعم الله عليهم ويُذكِّرهم بكل النعم ، فعطف على { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ … } [ إبراهيم : 6 ] قوله { وَيُذَبِّحُونَ … } [ إبراهيم : 6 ] . لكن حين يتكَلَّم الله تعالى فلا يمتنُّ إلا بالشيء الأصيل ، وهو قتْل الأولاد واستحياء النساء لأن الحق - تبارك وتعالى - لا يمتنّ بالصغيرة ، إنما يمتنُّ بالشيء العظيم ، فتذبيح الأبناء واستحياء النساء هو نفسه سوء العذاب . وقوله مرة { يُذَبِّحُونَ … } [ البقرة : 49 ] ومرة { يُقَتِّلُونَ … } [ الأعراف : 141 ] لأن قتل الذّكْران أخذ أكثر من صورة ، فمرَّة يُذبِّحونهم ومرة يخنقونهم . ومعنى : { يَسُومُونَكُمْ … } [ الأعراف : 141 ] من السَّوْم ، وهو أنْ تطلب الماشية المرعى ، فنتركها تطلبه في الخلاء ، وتلتقط رزقها بنفسها لا نقدمه نحن لها ، وتسمى هذه سائمة ، أما التي نربطها ونُقدِّم لها غذاءها فلا تُسمَّى سائمة . فالمعنى { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ … } [ الاعراف : 141 ] يعني : يطلبون لكم سوء العذاب ، وما داموا كذلك فلا بُدَّ أنْ يتفنَّنوا لكم فيه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ … } .