Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى : { مِّن شَيْءٍ … } [ القصص : 60 ] من أيِّ شيء من مُقوِّمات الحياة ، ومن كمالياتها { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا … } [ القصص : 60 ] فمهما بلغ هذا من السُّمو ، فإنه متاع عمره قليل ، كما قال سبحانه : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] . لذلك طلبنا منكم ألاَّ تنشغلوا بهذا المتاع ، وألاَّ تجعلوه غايةً ، لأن بقاءك فيها مظنون ، ومتاعك فيها على قَدْر نشاطك وحركتك . وسبق أنْ قلنا : إن آفة النعيم في الدنيا أنه إما أن يتركك أو تتركه ، وأن عمرك في الدنيا ليس هو عمر الدنيا ، إنما مدة بقائك أنت فيها ، ومهما بلغتَ من الدنيا فلا بُدَّ من الموت . لذلك يدلُّنا ربنا - عَزَّ وجَلَّ - على حياة أخرى باقية مُتيقَّنة لا يفارقك نعيمها ولا تفارقه . { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ القصص : 60 ] . { خَيْرٌ … } [ القصص : 60 ] لأن النعيم فيها ليس على قَدْر نشاطك ، إنما على قَدْر قدرة الله وعطائه وكرمه ، { وَأَبْقَىٰ … } [ القصص : 60 ] لأنه دائم لا ينقطع ، فلو قارن العاقل بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة لاختار الآخرة . لذلك ، فإن الصحابي الذي حدَّثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الشهيد ، وتيقَّن أنه ليس بينه وبين الجنة إلا أنْ يُقتل في سبيل الله ، وكان في يده تمرات يأكلها فألقاها ، ورأى أن مدة شغله بمضغها طويلة لأنها تحول بينه وبين هذه الغاية ، ألقاها وأسرع إلى الجهاد لينال الشهادة . لماذا ؟ لأنه أجرى مقارنة بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة . والحق - سبحانه وتعالى - حين يُجري هذه المقارنة بين الكفار وبين المؤمنين يقول : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ … } [ التوبة : 52 ] إما أن ننتصر عليكم ونُذلكم ، ونأخذ خيراتكم ، وإما ننال الشهادة فنذهب إلى خير مما تركنا { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا … } [ التوبة : 52 ] . إذن : لا تتربصون بنا إلا خيراً ، ولا نتربّص بكم إلا شراً . وفي موضع آخر قال سبحانه : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ الأعلى : 16 - 17 ] لذلك ذيَّل الآية هنا بقوله تعالى : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ القصص : 60 ] لأن العقل لو قارن بين الدنيا والآخرة لا بُدَّ أنْ يختار الآخرة . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ … } .