Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 62-62)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والسؤال هنا للذين أشركوا ، لا لمن أُشرك بهم ، وكلمة { وَيَوْمَ … } [ القصص : 62 ] منصوبة على الظرفية ، لا بُدَّ أن نُقدِّر لها فعلاً يناسبها ، فالتقدير : واذكر يوم يناديهم ، والأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لمن يذكره رسول الله ؟ يذكره للكافرين بهذا اليوم يوم القيامة . والآية تعطينا لقطة من لقطات هذا اليوم الذي هو يوم الواقعة التي لا واقعةَ بعدها ، ويوم الحاقَّة أي الثابتة التي لا تَزَحْزُحَ عنها ، ويوم الصَّاخة أي : التي تصخّ الآذان التي انصرفتْ عنها في الدنيا ، ويوم الطامة التي تطمُّ ، ويوم الدين ، أي : الذي ينفع فيه الدين . والحق سبحانه يذكر هذه اللقطة لأمرين : الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُودِي وأُوذِي وهزِىء به وسُخِر منه ، واجتمعت عليه كل وسائل النكالَ من خصومة فبيَّتوا له بمكر ، وصنعوا له سحراً … إلخ . وحين تجد دعوة تُقابل بهذه الشراسة ، فاعلم أنها ما قُوبلت هذه المقابلة إلا لأنها ستهدم فساداً ينتفع به قوم ترهبهم كلمة الإصلاح لأنها تصيبهم في مصالحهم وفي شهواتهم وفي جاههم وعنجهيتهم وطغيانهم ، فطبيعي أن يقفوا في وجهها . لذلك نجد كثيراً من الغربيين يعرفون عظمة الإسلام من شراسة عداوة خصومه ، يقولون : لو لم يكُنْ هذا الدين ضد فسادهم ما ائتمروا عليه ، ولو كان أمراً هيِّناً لتركوه للزمن يمحوه ، لكنهم أيقنوا أنه الحق الذي سيُذهِب باطلهم ، ويقضي على طغيانهم . فالحق سبحانه يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أنْ يذكر ذلك اليوم يذكره لنفسه ، ويذكره لقومه ليعتبروا ، فربما إذا سمعوا ما في هذا اليوم من القسوة والخزي والنكال ربما راجعوا أنفسهم فتابوا إلى الله . إذن : ليس حظ الله تعالى من هذا العمل أنْ يُرهبهم إنما ليحذرهم ، لئلا يقع منهم الكفر الذي يُوقِفهم هذا الموقف ، كما تُبشِّع لولدك عاقبة الإهمال ، وتُحذِّره من الرسوب لينفر من أسبابه ، ويبحث عن أسباب النجاح . يقول تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ … } [ القصص : 62 ] وقد ناداهم في الدنيا : يا أيها الناس ، يا بني آدم فصمُّوا آذانهم ، وأعرضوا عن نداء الله ، واليوم يناديهم نداءً لا يملكون أنْ يصمُّوا آذانهم عنه لأنه { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] فكأن الحق يُذكِّرهم بهذا اليوم ، لعلهم يرعوون ، ولعلهم يرجعون . الأمر الثاني : أن الآية جاءت تسلية لسيدنا رسول الله يقول له ربه : لا تيأس مما يصنعون معك ، ولا يحزنك كيدهم وعنادهم لأنني سأصنع بهم كيت وكيت . وأنت تستطيع أن تدرك سِرَّ هذا الإيعاز النفسي في نفس المضطهد وفي نفس المظلوم حين يشكو لك ولدك أن أخاه ضربه أو أهانه فتقول أنت لتُرضيه : انتظر سوف أفعل به كذا وكذا ، فترى الولد ينبهر بهذه العقوبة المسموعة ويسعد بها ، وكذلك حين يسمع رسول الله العقوبة التي تنال أعداءه على ما حدث منهم يسعد بها ، وتُسرِّي عن نفسه ما يلاقي . ومضمون النداء { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ] فلم يقُلْ شركائي ويسكت ، إنما وصفهم { ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ] لأنه سبحانه واحد لا شريك له ، وهؤلاء شركاء في زعمهم فقط ، والزعم كما يقولون : مطية الكذب لذلك لن يجدوا جواباً لهذا السؤال { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ] . ولو كان أمامهم شركاء لقالوا : ها هم الذين أضلُّونا ، فأذِقْهم يا رب العذاب ضِعْفين ، لكنهم لم يجيبوا فهذا دليل على أنهم غَير موجودين ، لقد وقف هؤلاء المشركين حائرين ، لا يدرون جواباً كما قال تعالى : { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ … } [ القصص : 66 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ … } .