Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 65-66)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال هنا أيضاً { يُنَادِيهِمْ … } [ القصص : 65 ] فما الغرض من كل هذه النداءات ؟ إنها للتقريع وللتوبيخ وللسخرية منهم ، وممَّنْ عبدوهم واتبعوهم من دون الله ، ومضمون النداء : { مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ القصص : 65 ] والإجابة : موافقة المطلوب من الطالب ، فماذا كانت إجابتكم لهم بعد أن آمنتم بإله ، أأخذتُم بما جاءوا به من أحكام ؟ أعلمتم منهم علماً يقينياً حقاً ؟ وهذا الاستفهام للتعجيز لأنهم إنْ حاولوا الإجابة فلن يجدوا إجابة فيخزون ويخجلون لذلك يقول بعدها { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ … } [ القصص : 66 ] أي : خفِيَتْ عليهم الحجج والأعذار وعموا عنها فلم يروْهَا { فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ القصص : 66 ] لا يملكون إلا السكوت كما قالوا : جواب ما يكره السكوت ، وكما قال سبحانه : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] . وهؤلاء لا يتساءلون لأنهم في الجهل سواء ، وفي الضلال شركاء ، وكل منهم مشغول بنفسه { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . وكما سُئِل المشركون : { مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ القصص : 65 ] في موضع آخر يسأل الرسل : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ … } [ المائدة : 109 ] أي : فيما علمتم من العلم ، وأوله : علم اليقين الأعلى ، وثانيها : علم الأحكام ، فبماذا أجابكم الناس ؟ وتأمل هنا أدب الرسل ومدى فهمهم في مقام الجواب لله ، وهم يعلمون تماماً بماذا أجاب أقوامهم ، وأن منهم مَنْ آمن بهم ، وتفانى في خدمة دعوتهم وضحّى واستشهد ، ومنهم مَنْ كفر وعاند ، ومع ذلك يقولون : { قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [ المائدة : 109 ] . فكيف يقولون : { لاَ عِلْمَ لَنَآ … } [ المائدة : 109 ] وهم يعلمون ؟ قالوا : لأنهم غير واثقين أن مَنْ آمن آمن عن عقيدة أم لا ، فهم يأخذون بظواهر الناس ، أما بواطنهم فلا يعلمها إلا الله ، كأنهم يقولون : أنت يا ربنا تسأل عن إجابة الحق لا عن إجابة النفاق ، وإجابة الحق نحن لا نعرفها ، وأنت سبحانك علاَّم الغيوب . إذن : جعلوا الحق - تبارك وتعالى - هو السُّلْطة التشريعية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التنفيذية في محكمة العدل الإلهي التي سيُعلن فيها على رؤوس الأشهاد { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ … } [ غافر : 16 ] . والسؤال عند العرب يُطلق ، إما للمعرفة حيث تسأل لتعرف ، كما يسأل التلميذ أستاذه ، أو يكون السؤال للإقرار بما تعرف ، كما يسأل الأستاذ تلميذه ليقرّ على نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 39 ] أي : سؤالَ علم لأننا نعلم . وقوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] أي : سؤال إقرار منهم ، وإنْ كان كلامي يوم القيامة حجة ، لأنه لا مردَّ له ، لكن مع ذلك نسألهم ليقروا هم ، وليشهدوا على أنفسهم . والحق - تبارك وتعالى - يدلُّك على أنه تعالى يُبشِّع مظاهر يوم القيامة على الكافرين ، لا لأنه كاره لهم ، بل يريدهم أنْ يستحضروا هذه الصورة البشعة لعلهم يرعوون ويتوبون لذلك يفتح لهم باب التوبة لأنه رب ورحيم . لذلك جاء في الحديث القدسي : " قالت الأرض : يا رب إئذن لي أنْ أخسف بابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك . وقالت الجبال : يا رب إئذن لي أنْ أخِرَّ على ابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك . وقالت البحار : يا رب إئذن لي أنْ أغرِق ابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك . فقال تعالى : دعوني وخلقي لو خلقتموهم لرحمتموهم ، دعوهم فإنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم ، وأنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم " . أعالجهم بالترغيب مرة ، وبالترهيب أخرى ، أشوِّقهم إلى الجنة ، وأخوِّفهم من النار ، وأفتح باب التوبة ، وفتْح باب التوبة ليس رحمة من الله للتائب فقط ، ولكن رحمة لكل مَنْ يشقى بعصيان غير التائب . ولو أغلق باب التوبة في وجه العاصي ليئس وتحول إلى فاقد يشقى به المجتمع طوال حياته ، إذن : ففتْح باب التوبة رحمة بالتائب ، ورحمة بمجتمعه ، بل وبالإنسانية كلها ، رحمة بالعاصي وبمَنِ اكتوى بنار المعصية .