Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 68-68)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كنا ننتظر أنْ يُخبرنا السياق بما سيقع على المشركين من العذاب ، لكن تأتي الآية { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ … } [ القصص : 68 ] وكأن الحق سبحانه يقول : أنا الذي أعرف أين المصلحة ، وأعرف كيف أُريحكم من شرِّهم ، فدعوني أخلق ما أشاء ، وأختار ما أشاء ، فأنا الرب المتعهد للمربى بالتربية التي تُوصله إلى المهمة منه . والمربَّى قسمان : إما مؤمن وإما كافر ، ولا بُدَّ أنْ يشقى المؤمن بفعل الكافر ، وأنْ يمتد هذا الشقاء إنْ بقي الكافر على كفره لذلك شَرعتُ له التوبة ، وقَبِلْتُ منه الرجوع ، وهذا أول ما يريح المؤمنين . ومعنى : { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ … } [ القصص : 68 ] يعني : لا خيارَ لكم ، فدعوني لأختار لكم ، ثم نفِّذوا ما أختاره أنا . أو : أن هذه الآية { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ … } [ القصص : 68 ] قيلت للردِّ على قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . يقصدون الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي ، فردَّ الله عليهم : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ … } [ الزخرف : 32 ] . فكيف يطمعون في أنْ يختاروا هم وسائل الرحمة ، ونحن الذين قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، فجعلنا هذا غنياً ، وهذا فقيراً ، وهذا قوياً ، وهذا ضعيفاً ، فمسائل الدنيا أنا متمكن منهم فيها ، فهل يريدون أنْ يتحكموا في مسائل الآخرة وفي رحمة الله يوجِّهونها حسب اختيارهم ؟ ! ! { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ … } [ القصص : 68 ] أي : الاختيار في مثل هذه المسائل . ويجوز { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ … } [ القصص : 68 ] أي : المؤمنون ما كان لهم أنْ يعترضوا على قبول توبة الله على المشركين الذين آذوهم ، يقولون : لماذا تقبل منهم التوبة وقد فعلوا بنا كذا وكذا ، وقد كنا نود أن نراهم يتقلبون في العذاب ؟ والحق تبارك وتعالى يختار ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، وحين يقبل التوبة من المشرك لا يرحمه وحده ، ولكن يرحمكم أنتم أيضاً حين يُريحكم من شرِّه . وقوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ القصص : 68 ] أي : تعالى الله وتنزَّه عما يريدون من أنْ يُنزِلوا الحق سبحانه على مرادات أصحاب الأهواء من البشر ، ولو أن الحق سبحانه نزل على مرادات أصحاب الأهواء من البشر - وأهواؤهم مختلفة - لفسدتْ حياتهم جميعاً . ألا ترى أن البشر مختلفون جميعاً في الرغبات والأهواء ، بل وفي مسائل الحياة كلها ، فترى الجماعة منهم في سنٍّ واحدة ، وفي مركز اجتماعي واحد ، فإذا توجَّهوا لشراء سلعة مثلاً اختار كل منهم نوعاً ولوناً مختلفاً عن الآخر .