Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 70-70)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الله : هو المعبود بحقٍّ ، وله صفات الكمال كلها ، وهو سبحانه { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ القصص : 70 ] وما دام هو وحده سبحانه ، فلا أحدَ يفتن عليه ، أو يستدرك عليه بشيء ، وسبق أن قال لهم : هاتوا شركاءكم لنفصل في مسألة العبادة علانية و نفاصل من صاحب هذه السلعة : أي يوم القيامة . ومعنى : { ٱلأُولَىٰ … } [ القصص : 70 ] أي : الخَلْق الذي خلقه الله ، والكون الذي أعدَّه لاستقبال خليفته في الأرض : الشمس والقمر والنجوم والشجر والجبال والماء والهواء والأرض ، فقبل أنْ يأتي الإنسان أعدَّ الله الكونَ لاستقباله . لذلك حينما يتكلم الحق سبحانه عن آدم لا يقول : إنه أول الخَلْق ، إنما أول بني آدم ، فقد سبقه في الخلق عوالم كثيرة لذلك يقول تعالى : { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [ الإنسان : 1 ] أي : لم يكن له وجود . وإعداد الكون لاستقبال الإنسان جميل يستوجب الحمد والثناء ، فقد خلق الله لك الكون كله ، ثم جعلك تنتفع به مع عدم قدرتك عليه أو وصولك إليه ، فالشمس تخدمك ، وأنت لا تقدر عليها ولا تملكها ، وهي تعمل لك دون صيانة منك ، ودون أن تحتاج قطعة غيار ، وكذلك الكون كله يسير في خدمتك وقضاء مصالحك ، وهذا كله يستحق الحمد . وبعد أنْ خلقك الله في كون أُعِدّ لخدمتك تركك ترتع فيه ، ذرة في ظهر أبيك ، ونطفة في بطن أمك إلى أنْ تخرج للوجود ، فيضمك حضنها ، ولا يكلفك إلا حين تبلغ مبلغ الرجال وسِنّ الرشد ، ومنحك العقل والنضج لتصبح قادراً على إنجاب مثلك ، وهذه علامة النضج النهائي في تكوينك كالثمرة لا تخرج مثلها إلا بعد نُضْجها واستوائها . لذلك نجد في حكمة الله تعالى ألاَّ يعطى الثمرة حلاوتها إلا بعد نُضْج بذرتها ، بحيث حين تزرعها بعد أكْلها تنبت مثلها ، ولو أُكلت قبل نُضْجها لما أنبتت بذرتها ، ولانْقرض هذا النوع لذلك ترى الثمرة الناضجة إذا لم تقطفها سقطت لك على الأرض لتقول لك : أنا جاهزة . لذلك نلحظ عندنا في الريف شجرة التوت أو شجرة المشمس مثلاً يسقط الثمر الناضج على الأرض ، ثم ينبت نباتاً جديداً ، يحفظ النوع ، ولو سقطت الثمار غير ناضجة لما أنبتت . وكذلك الإنسان لا ينجب مثله إلا بعد نُضْجه ، وعندها يُكلِّفه الله ويسأله ويحاسبه . إذن : على الإنسان أنْ يسترجع فضل الله عليه حتى قبل أنْ يستدعيه إلى الوجود ، وأنْ يثق أن الذي يُكلِّفه الآن ويأمره وينهاه هو ربُّه وخالقه ومُربِّيه ، ولن يكلِّفه إلا بما يُصلحه ، فعليه أنْ يسمع ، وأنْ يطيع . وقوله تعالى : { وَٱلآخِرَةِ … } [ القصص : 70 ] يعني : له الحمد في القيامة ، كما قال سبحانه : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] فيحمد الله في الآخرة لأنه كان يمتعني في الدنيا إلى أمد ، ويمتعني في الدنيا على قَدْر إمكاناتي ، أما في الآخرة فيعطيني بلا أمد ، وعلى قَدْر إمكاناته هو سبحانه ، فحين نرى هذا النعيم لا نملك إلا أنْ نقول : الحمد لله ، وهكذا اجتمع لله تعالى الحمد في الأولى ، والحمد في الآخرة . وقوله تعالى : { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 70 ] لأن الآخرة ما كانت إلا للحكم وللفصل في الخصومات ، حيث يعرف كلٌّ ما له وما عليه ، فلا تظن أن الذين آذوْك وظلموك سيُفِلِتون من قبضتنا . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 70 ] أي : للحساب ، وفي قراءة تَرْجعون لأنهم سيرجعون إلينا ويأتوننا بأنفسهم ، كأنهم مضبوطون على ذلك ، كالمنبه تضبطه على الزمن ، كذلك هم إذا جاء موعدهم جاءونا من تلقاء أنفسهم ، دون أن يسوقهم أحد . وعلى قراءة { تُرْجَعُونَ } [ القصص : 70 ] إياكم أن تظنوا أنكم بإمكانكم أن تتأبَّوْا علينا ، كما تأبِّيتُم على رسُلنا في الدنيا لأن الداعي في الدنيا كان يأخذكم بالرفق واللين ، أما داعي الآخرة فيجمعكم قَسْراً ورَغْماً عنكم ، ولا تستطيعون منه فكاكا { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ … } .