Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 84-84)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلنا : إن كلمة خيرٍ تُطلق ويُراد بها ما يقابل الشر ، كما في قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ] . وتُطلق ويُراد بها الأحسن في الخير ، تقول : هذا خير من هذا ، فكلاهما فيه خير ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كُلٍّ خير " فهي بمعنى التفضيل ، أي : أخير منها ، ومن ذلك قول الشاعر : @ زَيْدٌ خِيارُ النَّاسِ وابْنُ الأَخْيرِ @@ فجاء بصيغة التفضيل على الأصل ، وتقول : هذا حَسَن ، وذلك أحسن . فالمعنى هنا : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا … } [ القصص : 84 ] أي : خير يجيئه من طريقها ، أو إذا عمل خيراً أعطاه الله أخير منه وأحسَن ، والمراد أن الحسنة بعشر أمثالها . والحق سبحانه يعطينا صورة توضيحية لهذه المسألة ، فيقول سبحانه : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] . فقوله تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ … } [ القصص : 84 ] قضية عقدية ، تثبت وتُقرِّر الثواب للمطيع ، والعقاب للعاصي ، ومعنى { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ … } [ القصص : 84 ] أي : أتى بها حدثاً لم يكُنْ موجوداً ، فحين تفعل أنت الحسنة فقد أوجدتَها بما خلق الله فيك من قدرة على الطاعة وطاقة لفعل الخير . أو المعنى : جاء بالحسنة إلى الله أخيراً لينال ثوابها ، ولا مانع أن تتجمع له هذه المجيئات كلها ليُقبل بها على الله ، فيجازيه بها في الآخرة . لكن ، هل ثواب الحسنة مقصور فقط على الآخرة ، أم أن الدين بقضاياه جاء لسعادة الدنيا وسعادة الآخرة ؟ فما دام الدين لسعادة الدارين فللحسنة أثر أيضاً في الدنيا ، لكن مجموعها يكون لك في الآخرة . وهذه الآية جاءت بعد الحديث عن قارون ، وبعد أن نصحه قومه ، وجاء في نصحهم : { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ … } [ القصص : 77 ] إذن : فطلبهم أن يُحسن كما أحسن الله إليه جاء في مجال ذكر الحسنة ، والحسنة أهي الشيء الذي يستطيبه الإنسان ؟ لا ، لأن الإنسان قد يستطيب الشيء ثم يجلب عليه المضرة ، وقد يكره الشيء ولا يستطيبه ، ويأتي له بالنفع . فمن إذن الذي يحدد الحسنة والسيئة ؟ ما دام الناس مختلفين في هذه المسألة ، فلا يحددها إلا الله تعالى ، الذي خلق الناس ، ويعلم ما يُصلحهم ، وهو سبحانه الذي يعلم خصائص الأشياء ، ويعلم ما يترتب عليها من آثار ، أما الإنسان فقد خلقه الله صالحاً للخير ، وصالحاً للشر ، يعمل الحسن ، ويعمل القبيح ، وربما اختلطت عليه المسائل . لذلك يقولون في تعريف الحسنة : هي ما حسَّنه الشرع ، لا ما حسَّنْتها أنت ، فنحن مثلاً نستسيغ بعض الأطعمة ، ونجد فيها متعة ولذة ، مع أنها مُضرة ، في حين نأنف مثلاً من أكل الطعام المسلوق ، مع أنه أفيد وأنفع لذلك يقول تعالى في صفة الطعام : { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] لأن الطعام قد يكون هنيئاً تجد له متعة ، لكنه غير مريء ويُسبِّب لك المتاعب بعد ذلك . الحق سبحانه يقول هنا : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا … } [ القصص : 84 ] فالحسنة خير ، لكن ، الثواب عليها خيرٌ منها أي : أخير لأنه عطاء دائم باقٍ لا ينقطع ، أو خير يأتيك بسببها . كما يقول أصحاب الألغاز واللعب بالكلمات : محمد خير من ربه ، والمعنى : خير يصلنا من الله ، ولا داعي لمثل هذه الألغاز طالما تحتمل معنى غير مقبول . ثم يقول سبحانه : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ … } [ القصص : 84 ] لم يقُل الحق سبحانه : فله أشر منها ، قياساً على الحسنة فنضاعف السيئة كما ضاعفنا الحسنة ، وهذه المسألة مظهر من مظاهر رحمة الله بخَلْقه ، هذه الرحمة التي تتعدَّى حتى إلى العُصَاة من خَلْقه . لذلك قال { فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ القصص : 84 ] أي : على قَدْرها دون زيادة . واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى في سورة عم : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً * لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً * جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } [ النبأ : 31 - 36 ] . فحساباً هنا لا تعني أن الجزاء بحساب على قدر العمل ، إنما تعني كافيهم في كل ناحية من نواحي الخير ، ومنه قولنا : حسبي الله يعني : كافيني . وفي المقابل يقول سبحانه في السيئة : { جَزَآءً وِفَاقاً } [ النبأ : 26 ] أي : على قدرها موافقاً لها . إذن : فربنا - عز وجل - يعاملنا بالفضل لا بالعدل ليغري الناس بفعل الحسنة ، وأنت حين تفعل الحسنة فأنت واحد تُقدِّم حسنتك إلى كل الناس ، وفي المقابل يعود عليك أثر حسنات الجماهير كلها ، فينالك من كل واحد منهم حسنة ، وكأنه أوكازيون حسنات يعود عليك أنت . ثم يقول الحق سبحانه لنبيه : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ … } .