Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : فأنجينا نوحاً عليه السلام { وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ … } [ العنكبوت : 15 ] هم الذين يركبون معه فيها ، فهم أصحابها ، وقد صُنعت من أجلهم ، لم يصنعها نوح لذاته ، إنما صنعها لقومه الذين تعجَّبوا من صناعته لها وسَخروا منه واستهزأوا به ، فهم أصحابها في الحقيقة ، مَنْ آمن منهم ركب فيها ، ومَنْ كفر أبى وأعرض ، فكانت نهايته الغرق . ونفهم من هذه القضية أن الحق سبحانه حينما يطلب من المؤمن شيئاً يعطيه لمَنْ لا يجد ذلك الشيء ، سواء كان عِلْماً أو مالاً أو قدرة … إلخ افهم أنها حق له ، وليستْ تفضلاً عليه ، فلما صنع نوح السفينة جعلها الله من حق القوم فقال { وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ … } [ العنكبوت : 15 ] فهي حقٌّ لهم ، فليس المراد منها أن يصنعها مثلاً ، ويُؤجرها لهم ، لا بل هو يصنعها من أجلهم . وكذلك قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } [ المعارج : 24 ] وقد ورد هذا الحق في المال مرتين في القرآن الكريم ، مرة { حَقٌّ مَّعْلُومٌ } [ المعارج : 24 ] ، ومرة أخرى { حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 19 ] دون أن يحدد مقداره ، ودون أنْ يُوصف بالمعلومية . وقد سمَّاهما الله حقاً ، فالمعلوم هو الزكاة الواجبة في مقام الإيمان ، وغير المعلوم هي الصدقة لأنها لا تخضع لمقدار معين ، بل هي حَسْب أريحية المؤمن وحُبه للطاعات ، ودخوله في مقام الإحسان الذي قال الله فيه : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 15 - 19 ] وهذه الزيادة في العبادات دليل على عِشْق التكليف وحُبِّ الطاعة والثقة بأن الله تعالى ما كلَّفنا إلا بأقلّ مما يستحق سبحانه من العبادة لذلك يقول العلماء : إياك أنْ تنتقل إلى هذا المقام وتُلزِم به نفسك ، أو تجعله نَذْراً لأنك إنْ فعلتَ صار في حقك فرضاً لا تستطيع أنْ تُنقِص منه . إنما جعله لنشاطك ومقدرتك لأنك إنْ تعوّدت على منهج وألزمت نفسك به ثم تراجعت ، فكأنك تقول كلمة لا ينبغي أنْ تُقال ، فكأنك - والعياذ بالله - جربت وُدّك لله فلم تجده - والعياذ بالله - أهلَ وُدٍّ فتركته . إذن : فقوله سبحانه { وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ … } [ العنكبوت : 15 ] يدلنا على أنها صُنِعَتْ بأمر الله من أجلهم ، وبفراغ نوح من صناعتها كانت حقاً لهم ، لا مِلْكاً له عليه السلام . لكن كيف نفهم { وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ … } [ العنكبوت : 15 ] وقد حمل فيها نوح - عليه السلام - من كُلٍّ زوجين اثنين ؟ قالوا : الزوجان من غير البشر ليس لهما صُحْبة لأنهما مملوكان لأصحاب الصُّحْبة . وقوله سبحانه : { وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 15 ] أي : أمراً عجيباً لم يسبق له مثيل في حياة الناس ، فقد صنعها نوح - عليه السلام - بوحي من ربه على غير مثال سابق ، فوجه كَوْنها آية أن الله تعالى أعلمه وعلّمه صناعتها لأن لها مهمة إيمانية عنده ، فبها نجاة المؤمنين وغَرَق الكافرين ، وهذه الآية { لِّلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 15 ] جميعاً . ثم يذكر الحق سبحانه إبراهيم عليه السلام ، فيقول : { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ … } .