Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 18-18)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِن تُكَذِّبُواْ … } [ العنكبوت : 18 ] أي : ما قلنا لكم وما جاءكم به رسولنا لأن تصديقه سيُدخلكم مدخل التكليف ، ويحملكم مشقة المنهج ، وسيُضيِّق عليكم منطقة الاختيار ، والحق سبحانه قد شرَّفك حين أعطاك حرية الاختيار ، في حين أن الكون كله لا اختيارَ له لأنه تنازل عن اختياره لاختيار ربه . كما قال سبحانه : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] . فالكون كله مسخر يؤدي مهمته ، كما يقول سبحانه : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ … } [ الإسراء : 44 ] . وقال سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ … } [ الحج : 18 ] فالقاعدة عامة ، لا استثناء فيها ، إلا عند الإنسان ، فمنهم الطائع ومنهم العاصي . فالمعنى : { وَإِن تُكَذِّبُواْ … } [ العنكبوت : 18 ] فلستم بدعاً في التكذيب { فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ … } [ العنكبوت : 18 ] لكن يجب عليكم أن تتنبهوا إلى ما صنع بالأمم المكذِّبة ، وكيف كانت عاقبتهم ، فاحذروا أنْ يُصيبكم ما أصابهم ، هذه هي المسألة التي ينبغي عليكم التنبُّه لها . وهنا وقف بعض المتمحكين يقول : كيف يقول القرآن في خطاب قوم إبراهيم { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ … } [ العنكبوت : 18 ] مع أنه لم يسبقهم إلا أمة واحدة هي أمة نوح عليه السلام ؟ يظنون أنهم وجدوا مأخذاً على القرآن . ونقول : نعم ، كانت أمة نوح هي أمة الرسالة المقصودة بالإيمان ، لكن جاء قبلها آدم وشيث وإدريس ، وكانوا جميعاً في أمم سابقة على إبراهيم ، أو نقول : لأن مدة بقاء نوح في قومه طالت حتى أخذت ألف سنة من عمر الزمان ، وهذه الفترة تشمل قُرَابة العشرة أجيال ، والجيل - كما قالوا - مائة سنة ، كل منها أمة بذاتها . ثم يقول تعالى : { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [ العنكبوت : 18 ] فمهمته مجرد البلاغ . يؤمن به مَنْ يؤمن ، ويكفر مَنْ يكفر ، الرسول لن نعطيه مكافأة أو عمولة على كل مَنْ يؤمن به ، فإياكم أنْ تظنوا أنكم بكفركم تُقلِّلون من مكافأة النبي - خاصة وقد كانوا كارهين له - فالمعنى : عليَّ البلاغ فحسب ، وقد بلَّغت فسآخذ جزائي وأجري من ربي ، فأنتم لا تكيدونني بكفركم ، بل تكيدون أنفسكم . لذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يحزن أشد الحزن ، ويألم إنْ تفلَّت من يده واحد من أمته فكفر ، حتى خاطبه ربه : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ … } [ البقرة : 272 ] . وخاطبه بقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . وحين نزل عليه صلى الله عليه وسلم : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 1 - 5 ] انتهز النبي هذه الفرصة ودعا ربه : إذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مُحبٌّ لأمته ، حريص عليهم ، رؤوف رحيم بهم : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . ووصف الحق سبحانه البلاغ بأنه مبين ، أي : واضح ظاهر لأن من البلاغ ما يكون مجرد عرض للمسألة دون تأكيد وإظهار للحجة التي تؤيد البلاغ . ثم يقول الحق سبحانه : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ … } .