Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 20-20)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

السير : الانتقال من مكان إلى مكان ، لكن نحن نسير في الأرض أم على الأرض ؟ الحقيقة أننا كما قال سبحانه { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ العنكبوت : 20 ] أي : نسير فيها لأن الغلاف الجوي المحيط بالأرض من الأرض ، فبدونه لا تستقيم الحياة عليها ، إذن : حين تسير تسير في الأرض فهي تحتك ، وغلافها الجوي فوقك ، فكأنك بداخلها . والعلة في السير { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ … } [ العنكبوت : 20 ] وفي آية أخرى { ثُمَّ ٱنْظُرُواْ … } [ الأنعام : 11 ] لأن السير من أرض لأخرى له دافعان : إما للسياحة والتأمل والاعتبار ، وإما للتجارة والاستثمار ، إنْ ضاق رزقك في بلادك . فقوله : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ … } [ العنكبوت : 20 ] أي : نظر اعتبار وتأمل . أما في { ثُمَّ ٱنْظُرُواْ … } [ الأنعام : 11 ] فثم تفيد العطف والتراخي ، كأنه سبحانه يقول لنا : سيروا في الأرض للاستثمار ، ثم انظروا نظرة التأمل والاعتبار ، ولا مانع من الجمع بين الغرضين . وتذكرون أن الحق سبحانه قال في السورة السابقة القصص : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ … } [ القصص : 85 ] والمراد بذلك الهجرة ، وفي هذه السورة تأتي : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } [ العنكبوت : 56 ] . والمعنى : إن ضاق رزقك في مكان فاطلبه في مكان آخر ، أو : إنْ لم تكُنْ الآيات الظاهرة لك كافية لتشبع عندك الرغبة في الاعتبار والتأمل فسِرْ في الأرض ، فسوف تجد فيها كثيراً من الآيات والعِبَر في اختلاف الأجناس والبيئات والثمار والأجواء … إلخ . لذلك يقول سبحانه : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا … } [ النساء : 97 ] . فالأرض كلها لله لا حدودَ فيها ، ولا فواصلَ بينها ، فلما قسَّمها الناس وجعلوا لها حدوداً تمنع الحركة فيها حدثت كثير من الإشكالات ، وصَعُبَ على الناس التنقل للسياحة أو لطلب الرزق إنْ ضاق بأحد رزقه . وها هي السودان بجوارنا بها مساحات شاسعة من الأراضي الخِصْبة التي إنْ زُرِعت سدَّتْ حاجة العالم العربي كله ، أنستطيع الذهاب لزراعتها ؟ ساعتها سيقولون : جاءوا ليستعمرونا . لذلك لما أتيح لي التحدث في هيئة الأمم قلت : إنه لا يمكن أنْ تُحلَّ قضايا العالم الراهنة إلا إذا طبَّقنا مبدأ الخالق - عز وجل - وعُدْنا إلى منهجه الذي وضعه لتنظيم حياتنا ، وكيف نضع بيننا هذه الحدود الحديدية والأسلاك الشائكة ، وربنا يقول : { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [ الرحمن : 10 ] . فالأرض كلُّ الأرض للأنام كل الأنام ، ويوم نحقق هذا المبدأ فلن يضيق الرزق بأحد ، لأنه إنْ ضاقَ بك هنا طلبته هناك لذلك أكثر الشكوى في عالم اليوم إمَّا من أرض بلا رجال ، أو من رجال بلا أرض ، فلماذا لا نُحدِث التكامل الذي أراده الله في كونه ؟ إذن : فالسير هنا مترتب عليه الاعتبار { كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ … } [ العنكبوت : 20 ] وما دُمْنا قد آمنا بأن الله تعالى هو الخالق بداية ، فإعادة الخَلْق أهون ، كما قال سبحانه : { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ … } [ ق : 15 ] فيشكُّوا في الخَلْق الآخر ؟ لذلك يؤكد الخالق سبحانه هذه القدرة بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ العنكبوت : 20 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ … } .