Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 25-25)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : إنْ كنتم لم تؤمنوا بالآيات الكونية الدالة على قدرة الله ، ولم تؤمنوا بالمعجزة التي رأيتموها حين نجاني ربي من النار ، وكان عليكم أنْ تؤمنوا بأنه لا يقدر على ذلك إلا الله ، فلماذا إصراركم على الكفر ؟ فلا بُدَّ أنكم كفرتم بالله وعبدتم الأصنام ، لا لأنكم مقتنعون بعبادتها ، ولا لأنها تستحق العبادة ، إنما عبدتموها { مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ العنكبوت : 25 ] يعني : نفاقاً ينافق به بعضكم بعضاً ومجاملة لأنكم رأيتم رؤوس القوم فيكم يعبدونها فقلَّدتموهم دون اقتناع منكم بما تعبدون ، أو مودةً لآبائكم الأولين ، وسَيْراً على نهجهم ، كما حكى القرآن : { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] . وفي آية أخرى { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ … } [ المائدة : 104 ] . لكن هذه المودة وهذه المجاملة وهذا النفاق عمرها الحياة الدنيا فحسب ، وفي الآخرة ستتقطع بينكم هذه المودات : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ … } [ الزخرف : 67 ] يعني : ستنقلب هذه المودة وهذه المجاملة إلى عداوة ، بل وإلى معركة حكاها القرآن : { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا … } [ فصلت : 29 ] . وقال : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } [ البقرة : 166 ] . ويقرر هنا أيضاً هذه الحقيقة : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] ذلك لأن المقدمات التي سبقتْ كانت تقتضي أنْ يؤمنوا ، فما كان منهم إلا الإصرار على الكفر . وفي الوقت الذي تنقلب فيه مودة الكافرين عداوةً تنقلب عداوة المؤمنين الذين تعاونوا على الطاعة إلى حُبٍّ ومودة ، فيقول المؤمن لأخيه الذي جَرَّه إلى الطاعة وحمله عليها - على كُرْه منه وضيق - جزاك الله خيراً لقد أنقذتني . ولا ينتهي الأمر عند هذه العقوبة التي يُوقعونها بأنفسهم من التبرؤ واللعن ، بل ينصرفون إلى عقوبة أشدّ { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] ونلحظ هنا أن الحق سبحانه لم يقُلْ : وما لكم من دون الله لأن الكلام في الآخرة حيث لا توبةَ لهم ولا رجوعَ ، فقد انتفى أن يكون لهم ولي أو نصير من الله . كذلك لا ناصرَ لهم من أوليائهم الذين عبدوهم من دون الله حيث يطلبون النُّصْرة من أحجار وأصنام ، لا تنطق ولا تجيب . وهكذا تنتهي هذه اللقطة السريعة من قصة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وله تاريخ طويل ، وهو شيخ المرسلين وأبو الأنبياء ، وإنْ أردتَ أن تحكي قصته لأخذتْ منك وقتاً طويلاً ، ويكفي أن الله تعالى قال عنه : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً … } [ النحل : 120 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ … } .