Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 39-39)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ما زالت الآيات تُحدِّثنا عن مواكب الرسالات ، لكنها تتكلم عن المكذِّبين عاداً وثمود ، وهنا { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ … } [ العنكبوت : 39 ] والدليل على قوله سبحانه في الآية السابقة { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } [ العنكبوت : 38 ] قوله تعالى هنا { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } [ العنكبوت : 39 ] أي : بالأمور الواضحة التي لا تدع مجالاً للشك في صدْق الحق سبحانه ، وفي صِدْق الرسول في البلاغ عن الله . { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ العنكبوت : 39 ] استكبر : يعني افتعل الكِبْر ، فلم يقُلْ تكبَّر ، إنما استكبر كأنه في ذاته ما كان ينبغي له أنْ يستكبر لأن الذي يتكبّر يتكبَّر بشيء ذاتي فيه ، إنما بشيء موهوب ؟ لأنه قد يسلب منه ، فكيف يتكبَّر به ؟ لذلك نقول للمتكبِّر أنه غفلت عينه عن مَرأْى ربه في آثار خَلْقه ، فلو كان ربه في باله لاستحى أنْ يتكبّر . فالإنسان لو أنه يلحظ كبرياء ربه لَصَغُر في نفسه ، ولاستحى أن يتكبَّر ، كما أن المتكبر بقوته وعافيته غبي لأنه لم ينظر في حال الضعيف الذي يتعالى عليه ، فلربما يفوقه في شيء آخر ، أو عنده عبقرية في أمر أهم من الفتوة والقوة ، ثم ألم ينظر هذا الفتوة أنها مسألة عَرضية ، انتقلتْ إليه من غيره ، وسوف تنتقل منه إلى غيره . إذن : فقارون وفرعون وهامان لما جاءهم موسى بآيات الله الواضحات استكبروا في الأرض ، وأنفوا أن يتبعوا لا بطبيعتهم وطبيعة وجود ذلك فيهم ، إنما افتعالاً بغير حق { وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } [ العنكبوت : 39 ] فنفى عنهم أن يكونوا سابقين ، كما قال سبحانه : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } [ الواقعة : 60 ] . والسبق لا يُمدح ولا يُذم في ذاته ، لكن بنتيجته : إلى أيِّ شيء سبق ؟ كما نسمع الآن يقولون : فلان رجعي ، والرجعية لا تُذَم في ذاتها ، وربما كان الإنسان مُسْرفاً على نفسه ، ثم رجع إلى منهج ربه ، فنِعمْ هذه الرجعية ، فالسبق لا يُذَم لذاته ، واقرأ إنْ شئت قوله تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ … } [ آل عمران : 133 ] أي : سابقوا . والمعنى هنا { وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } [ العنكبوت : 39 ] أن هناك مضمارَ سباق ، فمن سبق قالوا : أحرز قَصَب السبق ، فإنْ كان مضمار السباق هذا في الآخرة أيسبقنا أحد ليفلتَ من أخْذنا له ؟ إنهم لن يسبقونا ، ولن يُفلِتوا من قبضتنا ، ولن يُعجِزوا قدرتنا على إدراكهم . ويقول الحق سبحانه : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا … } .