Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 108-108)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن آيات الله هي حججه وبراهينه وجزاءاته ، فمن اسود وجهه يوم القيامة نال العذاب ، ومن ابيض وجهه نال الرحمة وهو فيها خالد { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } [ آل عمران : 108 ] ، فما الذي يجعل إنساناً لا يخبر بالحق ؟ لابد أن هناك داعياً عند ذلك الإنسان ، فلأنّ الحق يُتبعه ، فهو يخبر بغير الحق . لكن هل هناك ما يتعب الخالق ؟ لا فسبحانه وتعالى منزه عن ذلك وعن كل نقص أو عيب إذن فلابد ألاَّ يقول إلا الحق ، فلا شيء خارج عن ملكه بعد ذلك يقول سبحانه : { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 108 ] . إنه سبحانه ينفي الظلم عن نفسه كما قال : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] . والحق لا يريد الظلم على إطلاقه من نفسه ومنكم أنتم أيها العباد . وكيف يأتي الظلم ؟ إن مظاهر الظلم هي - كما نعرف - أن تأخذ إنساناً بغير جرم … هذا ظلم ، أو أن تعاقب إنساناً فوق الجرم … هذا ظلم . أو ألا تعطي إنسانا مستوى إحسانه … هذا ظلم . وماذا يفعل من يقوم بالظلم ؟ إنه يريد أن يعود الأمر بالنفع له ، فإن كان يريد أَخْذَ إنسانٍ بغير جرم فهو يفعل ذلك ليروي حقداً وغلا في نفسه ، وقد يلفق لإنسان جرماً لأنه يرى أن هذا الإنسان قد يهدده في أي مصلحة من المصالح ، وهو يعلم انحرافه فيها ، فيعتقله مثلاً ، أو يضعه في السجن حتى لا يفضحه . إذن لا يمكن أن يذهب إنسان عن الحق إلى الظلم إلا وهو يريد أن يحقق منفعة أو يدفع عن نفسه ضرراً ، والله لن يحقق لذاته منفعة بظلم ، أو يدفع ضرراً يقع من خلقه عليه إنه منزه عن ذلك فهو القاهر فوق عباده . والحديث القدسي يقول : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي . وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " . والظالم من البشر جاهل . لماذا ؟ لأنه قَوَّى الذي ظلمه ، ولم يضعفه ، فالظالم يظلم ليضعف المظلوم أمامه ، فنقول له : أنت غبي ، قليل الذكاء لأنك قويته على نفسك وفعلت عكس ما تريد . ولنوضحْ ذلك - ولله المثل الأعلى - نحن جميعاً عيال الله ، سننتقل إلى دائرة حياتنا اليومية ونرى عيالنا ، إن الواحد منا عندما يكون له أولاد ، وجاء ولد من الأولاد وظلم أخاه فَقَلْبُ الوالد يكون مع المظلوم ، ويحاول الوالد أن يترضّى ابنه المظلوم . إذن فالولد الظالم ضر أخاه ضرراً يناسب طفولته ، ولكنه أعطاه نفعا يناسب قوة والده ، إنه يجهل حقيقة تقويته لأخيه . وما دمنا جميعاً عيال الله فماذا يفعل الله حين يرى سبحانه واحداً من خلقه يظلم آخر من خلقه ؟ لابد أن الحق سيشمل المظلوم برعايته ، وهكذا يقوى الظالم المظلوم ، والظالم بذلك يعلن عن غبائه ، فلو كان ذكياً ، لم ظلم ، ولضنّ على عدوه أن يظلمه ، ولقال : إنه لا يستأهل أن أظلمه لأنه عن طريق ظلمي له سيعطيه الله مكافأة كبرى ، وهي أن يجعله في كنفه ورعايته مباشرة . وقد نجد واحداً يظلم من أجل نفع عاجل ، وينسى هذا الإنسان أنه لن يشرد أبداً ممن خلقه . ونقول لمثل هذا الإنسان : أنت لن تشرد ممن خلقك ، ولكنك شردت من المخلوق وداريت نفسك ، وحاولت أن تحقق النفع العاجل لنفسك ، لكن الخالق قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم . وكأن الحق سبحانه يطمئننا بأن ننام ملء جفوننا لأنه سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم . { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 108 ] لأن الظلم لا ينشأ إلا عن إرادة نفعية بغير حق ، أو إرادة الضرر بغير جرم ، والله غني عن ذلك ، ولذلك نجد الحق يؤكد غناه عن الخلق وأنه مالك للكون كله فيقول : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } .