Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 109-109)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنه مالك الملك ، كل شيء له وبه وملكه ، وإليه يُرجع كل أمر . ونحن نعلم أن القرآن الكريم قد نزل من عند الله بقراءات متعددة وقد ورد وفي بعضها تَرجِعُ الأمور بفتح التاء بالبناء للفاعل ، وفي قراءة أخرى : ترجِعُ الأمور بضم التاء بالبناء للمجهول ، وكذلك ترجعون تأتي أيضاً بضم التاء وفتحها ، وكلها - كما قلنا - قراءات من عند الله . وعندما يقول الحق : " وإليه تَرجعون " بفتح التاء فمعنى ذلك أننا نعود إليه مختارين لأن المؤمن يُحبُّ ويرغب أنْ يصل إلى الآخرة ، لأن عمله طيب في الدنيا ، فكأنه يجري ويسارع إلى الآخرة ، ومرة يقول تعالى : " وإليه تُرجعون " بضم التاء . وهذا ينطبق على الكافر أو العاصي . إنّ كُلاًّ منهما يحاول ألا يذهب إلى الآخرة ، لكن المسألة ليست بإرادته ، إنه مقهور على العودة إلى الآخرة ولذلك نجد التعبير القرآني : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] . هناك من يدفعهم إلى النار دفعاً . وفي حياتنا - ولله المثل الأعلى - نجد الشرطي يمسك بالمجرم من ملابسة ويدفعه إلى السجن … ذلك هو الدع . وهكذا يكون قول الحق : " وإليه تُرجعون " بضم التاء وفتح الجيم ، أي أنه مدفوع بقوة قاهرة إلى النهاية . أما المؤمن الواثق فهو يهرول إلى آخرته مشتاقاً لوجه ربه . وعندما تقرأ { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [ آل عمران : 109 ] . قد يقول قائل : ومتى خرجت الأمور منه حتى ترجع إليه ؟ ونقول : حين خلق الله الدنيا ، خلقها بقهر تسخيري لنفع الإنسان ، وجعل فيها أشياء بالأسباب ، فإن فعل الإنسان السبب فإنه يأخذ المسبب - بفتح الباء - المشددة ، فالشمس تشرق علينا جميعاً ، والضوء والدفء والحرارة ، هي - بأمر الله - للمؤمن والكافر معاً ، ولم يصدر الله لها أمراً أن تختص المؤمن وحده بمزاياها ، والهواء لا يمر على المؤمن وحده ، إنما يمر على المؤمن والكافر ، وكذلك الماء ، والأرض يزرعها الكافر فيأخذ منها الثمار ، ويزرعها المؤمن كذلك . إذن ففي الكون أشياء تسخيرية ، وهي التي لا تدخل فيها طاقة الإنسان ، وهناك أشياء سببية ، فإن فعلت السبب يأتي لك المسبب ، والله قد جعل الأسباب للمؤمن والكافر . وعندما يُمَلِّك الله بعض الخلق أسباب الخلق فهو القيوم فوق الجميع ، لكن في الآخرة ، فلا أسباب ولا مسببات ولذلك يكون الأمر له وحده ، اقرأوا جيداً : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . إنّ في الدنيا أناساً - بإرادة الله - تملك أسباباً ، وتملك عبيداً ، وتملك سلطاناً لأن الدنيا هي دنيا الأسباب . أما في الآخرة فلا مجال لذلك . لقد بدأت الدنيا بأسبابها مِنَّة منه ، ورجعت مِنْهُ إليه " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " ومن يعتز بالسببية نقول له : كن أسير السببية لو كنت تستطيع . ومن يعتز بالقوة لأنها - ظاهراً - سبب للحركة ، نقول له : احتفظ بقوتك إن كنت قادراً . ومن يعتز بالملك نقول له : لتحتفظ بالملك لو كنت تستطيع . ولا أحد بقادر على أَنْ يحتفظ بأي شيء ، فكل شيء مرده إلى الله ، وإن كان في ظاهر الأمر أن بعض الأشياء لك الآن ، وفي الآخرة لله يكون كل أمر ، ويرجع إليه كل شيء ، لقد بدأت به ، ورجعت إليه . ويقول الحق بعد ذلك : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ … } .