Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-110)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الخيرية لها مواصفات وعناصر : { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [ آل عمران : 110 ] . فإن تخلف عنصر من هذه العناصر ، انحلت عنكم الخيرية ، فالخيرية لكم بأشياء هي : أمر بالمعروف . نهي عن المنكر . إيمان بالله . وساعة تسمع كلمة " معروف " و " منكر " فإنك تجد أن اللفظ موضوع في المعنى الصحيح ، فـ " المعروف " هو ما يتعارف الناس عليه ويتفاخرون به ، ويَسُرُّ كل إنسان أن يعرفه الآخرون عنه . " والمنكر " هو الذي ينكره الناس ويخجلون منه ، فمظاهر الخير يحب كل إنسان أن يعرفها الآخرون عنه ، ومظاهر الشر ينكرها كل إنسان . إن مظاهر الخير محبوبة ومحمودة حتى عند المنحرف . ومظاهر المنكر مذمومة ومكروهة حتى عند النحرف . فاللص نفسه عندما يوجد في مجلس لا يعرفه فيه أحد ، ويسمع أن فلاناً قد سرق فإنه يعلن استنكاره لفعل اللص ، إنه أمر منكر ، حتى وإن كان هو يفعله . وهكذا تعرف أن " المعروف " و " المنكر " يخضعان لتقدير الفطرة . والفطرة السليمة تأتي للأمور الخيرة ، وتجعلها متعارفاً عليها بين الناس ، وتنكر الفطرة السليمة الأمور المنكرة ، حتى ممن يفعلها . ويورد الله مسألة الإيمان بالله من بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لماذا ؟ لأنه من الجائز أن يوجد إنسان له صفات الأريحية والإنسانية ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويصنع الخير ، ويقدم الصدقات ، ويقيم مؤسسات رعاية للمحتاجين والعاجزين سواء كانت صحية أو اقتصادية ، لكنه يفعل ذلك من زاوية نفسه الإنسانية ، لا من زاوية منهج الله ، فيكون كل ما فعله حابطاً ولا يُعتَرفُ له بشيء لأنه لم يفعل ذلك في إطار الإيمان بالله ، ولذلك فلا تظن أن الذي يصنع الخير دون إيمان بالله له أجر عند الله فالله يجازي من كان على الإيمان به ، وأن يكون الله في بال العبد ساعة يصنع الخير . فمن صنع خيراً من أجل الشهامة والإنسانية والجاه والمركز والسمعة فإنه ينال جزاءه ممن عمل له ، وما دام قد صنع ذلك من أجل أن يقال عنه ذلك فقد قيل ، وهو ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " إن أول الناس يُقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال : ما عملتَ فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها فقال : ما عملت فيها قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت في سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقتُ فيها . قال : كذبت ولكنك فعلت ليُقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر فسحب على وجهه ثم أُلقي في النار " . إنه ينال جزاء عمله من قول الناس ، لكن الله يجازي في الآخرة من كان الله في باله ساعة أن عمل . لذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ فصلت : 33 ] . إن المؤمن يفعل العمل الصالح ، ويعلن أنه يفعل ذلك لأنه من المسلمين ، إنه لا يفعل الخير ، لأنه شيوعي ، أو وجودي ، أو إنساني إلخ ، فمهما صنع إنسان من الخير ، وترك الاعتراف بالله فخيانة الكفر تفسد كل عمل . لأنه جحد وأنكر خالقه وكفر به ، والذي يعمل خيراً من أجل أحدٍ فلينل من هذا الأحد جزاء هذا العمل . وهنا في هذه الآية أمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وإيمان بالله . ولكن ما الذي يجعلهم لا يؤمنون بالله وإن عملوا معروفاً ؟ إنه حرصهم على الجاه الزائف ، فلمّا جاء الإسلام ، ظن أهل الجاه في الديانات الأخرى أن الإسلام سيسلبهم الجاه والسلطة والمكانة والمنافع التي كانوا يحصلون عليها ، وكان من حماقة بعضهم أن باعوا الجنة على الأرض وخافوا على المركز والجاه والمنافع ، وكان ذلك من قلة الفطنة ، فالحق يقول : { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 110 ] . فلو آمنوا لظل لهم الجاه والسلطة في ضوء الإيمان بالله ، فلا تجارة بالدين ، وكانوا سيحصلون على أجرهم مرتين ، أجر في الدنيا ، وأجر في الآخرة ، أو أجر على إيمانهم بنبيهم ، وأجر آخر لإيمانهم برسول الله ، ولكن هل معنى هذا القول أن أهل الكتاب لم يؤمنوا ؟ لا ، إن بعضهم قد آمن ، فالحق سبحانه وتعالى يؤرخ لهم تأريخاً حقيقياً فيقول سبحانه : { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 110 ] وكان القياس أن يأتي وصف بعضهم بالإيمان ، وأن يكون غيرهم من أبناء ملتهم كافرين ، لأن الإيمان يقابله الكفر ، لكن الحق يحدد المعنى المناسب لفعلهم فيقول : " وأكثرهم الفاسقون " . إنه الحق سبحانه وتعالى الذي يتكلم فيورد كل كلمة بمنتهى الدقة ، فهناك فرق بين أن تكفر وليس عندك مقدمات الإيمان وأدلته ، وأن تكفر وأنت تعرف مقدمات الإيمان كقراءة التوراة والإنجيل . لقد قرأ أهل الكتاب التوراة والإنجيل ورأوا الآيات البينات وعرفوا البشارات لذلك فهم عندما كفروا برسول الله ، فسقوا أيضاً مع الكفر . إن الذين كفروا برسول الله من أهل الكتاب هم فاسقون حتى في كفرهم ، لأن مقتضى معرفتهم للبشارات والآيات أن يعلنوا الإيمان برسالة رسول الله ، فالواحد منهم ليس كافراً عادياً ، بل هو فاسق حتى في الكفر لأنه عرف الحق ، ثم خرج وفسق عنه . وما دام الحق قد قال : { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 110 ] إذن ماذا يفعل المؤمن منهم مع الفاسق ؟ سيتربص الفاسقون وهم الأكثرية في اليهودية والنصرانية بالأقلية المؤمنة ليوقعوا بهم الأذى والضرر ، ويقول الحق سبحانه : { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ … } .