Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 151-151)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وألقى الحق في قلوبهم الرعب بالفعل . فساعة قالوا لأبي سفيان : إن محمداً قادم إليك بجيش كثيف من المدينة ، وانضم له مقاتلون لم يحاربوا من قبل ، وقادم إليكم في حمراء الأسد . ماذا صنع أبو سفيان وقومه ؟ ألقى الله الرعب في قلوبهم وفروا . وكلمة " سنلقي " مأخوذة من " الإلقاء " وهو لا يكون إلا لمادة وعين . ويبين لنا القرآن هذا الأمر حين يقول : " فألقى الألواح " ، هذه حاجة مادية . قال تعالى : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي … } [ الأعراف : 150 ] . إنه أمر مادي … ونحن نقول : ألقى الحجر . والحق سبحانه يقول : { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الشعراء : 44 ] . إنها حبال ، أي أمر مادي . وسبحانه وتعالى يقول عن الوحي لأم موسى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ القصص : 7 ] . فالإلقاء أمر مادي ، كأن الله يريد أن يجعل المعنى وهو الرعب شائعاً ، فقال : أنا سأجمع الرعب وأضعه في القلب ، ويكون عمله ماديًّا . فإذا ما استقر الرعب في القلب جاء الخَور ، وإذا سكن الخور القلب نضح على جميع الجوارح تخاذلاً ، فيقول : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [ آل عمران : 151 ] فكأنه مثل لنا الرعب ، والرعب أمر معنوي وهو التخوف من كل شيء ، فأوضح : بأنه سيأتيهم بالرعب ويلقيه في القلب ، فيبقى به ليصنع الخور والخذلان . { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [ آل عمران : 151 ] انظروا إلى التعابير الصادرة عن الله إنه هنا يأتي بـ " نون العظمة " ، " سنلقي " ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى ساعة يتكلم عن أمر يحتاج إلى فعل فهو سبحانه يأتي بـ " نون العظمة " كقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . ولأن إنزال الذكر عملية عظيمة ، فنأتي بـ " نون العظمة " . لأننا سننزله بقدرة وسننزله بحكمة ، وننزله بعلم وننزله بسمع ، وننزله ببصر ، وننزله بقيومية ، وننزله بقبض وننزله ببسط ، فقوله : " إنا نحن " فكأن نون العظمة تأتي هنا ، لكن ساعة يتكلم سبحانه عن الذات العلية فهو يقول : " إنني أنا الله " . لم يقل إننا ، ولكن في الإنزال يقول : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] . لأن هذه عملية عظيمة جليلة فـ " نون العظمة " تأتي فيما يكون من شأنه حدث يُفعل وهذا الحدث الذي يُفعل يحتاج لصفات كثيرة ، ولذلك قلنا ساعة تبتدئ أيَّ عمل تقول : " بسم الله الرحمن الرحيم " لماذا ؟ لأن العمل الذي ستعمله يحتاج إلى قدرة علية ، ويحتاج إلى علم قبل أن تعمله ، ويحتاج إلى حكمة ، أي أنه يحتاج إلى صفات كثيرة ، فأنت تدخل على العمل باسم القادر الذي يُقْدِرُك وباسم العليم الذي يعلمك ، وباسم الحكيم الذي يحكمك . وكل هذه الصفات ستتكاتف في إبراز العمل كي يرحمك حتى في الاستعانة ، فلا يقول لك : هات الصفات كلها التي يحتاج إليها فعلك لأن هناك صفات أنت لا تعرفها ، فيقول لك : هات الاسم الجامع لكل صفات الكمال . قال : " باسم الله " ، وهي تضم كل صفات الكمال . إذن فأنت تلاحظ أنك إذا رأيت " نون العظمة " التي نسميها " نون الجمع " نجد أننا نقول : " نحن " للجماعة . أو للمتكلم الواحد حين يعظم نفسه ، ولذلك نلاحظها حتى في قانون البشر ، ألم يقولوا في الملكية : " نحن الملك " ، وهذه النون بالنسبة لله ليست نون الجماعة . إنما هي " نون العظمة " ، العظمة الجامعة لكل صفات الكمال التي يتطلبها أي فعل من الأفعال ، لذلك قال سبحانه : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [ آل عمران : 151 ] فكل قلب به كفر يحتاج إلى إلقاء الرعب فيه . إذن فتأتي نون العظمة لتستوعب كل هذه القلوب الكافرة . وهو سبحانه لا يتجنى عليهم بإلقاء الرعب ، ولكن هم الذين استحقوا أن يلقى في قلوبهم الرعب ، لماذا ؟ " بما أشركوا " . إن الإشراك بالله هو الذي جاء لهم بالرعب لأن الله يفعل ، والشركاء لا يفعلون . ولو أن شركاءهم حق لما تخلوا عنهم . فلماذا لم يأتوا بشركائهم لينصروهم ؟ لقد جاءهم الرعب لأنهم ليس لهم مولى ، ولو كان لهم آلهة قادرة - كما يدعون - لقالوا لتلك الآلهة : رب محمد يعمل معنا هكذا فلماذا لا تقفون له يا أربابنا ؟ لكنهم أشركوا بالله ما لا يضر ولا ينفع ، بل ضره أقرب من نفعه . { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } [ آل عمران : 151 ] والسلطان هو القوة والحجة والبرهان مأخوذة من مادة " السين واللام والطاء " ونقول : فلان تسلط على فلان ، أي أرغمه بقدرته عليه . ويقولون : فلان سليط اللسان ، أي قادر أن يسب ، إذن فالسلطة هي : القهر ، والقوة التي ترغم على الفعل ، وفي المعنويات هي الحجة والبرهان ، والمؤمنون دائماً ذوو سلطان من الله لأنهم إن انتصروا مادياً فذلك سلطان القهر ، وإن انهزموا مادياً فعندهم سلطان الحق والدليل ولذلك قلنا سابقاً : إن إبليس يأتي يوم القيامة ويقول : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ … } [ إبراهيم : 22 ] . وقلنا إن السلطان نوعان : إما قوة تقهرنا على أن نفعل المعصية ، وإما برهان ودليل يجعلنا نفعل المعصية . والفرق بين القوة القاهرة وبين سلطان الدليل هو أن القوة القاهرة تجعلك تفعل وأنت مرغم غير راض عن الفعل . أما سلطان الدليل فيقنعك بأن تفعل فتكون قد فعلت برضاك ، فمرة يأتي السلطان بمعنى : قوة تقهرك على أن تفعل الفعل وأنت مرغم . إنما قوة الدليل تقنعك أن تفعل ، فيأتي الشيطان ليقر على نفسه في الآخرة ويقول : " وما كان لي عليكم من سلطان " أي ليس معي قوة تقهركم على المعصية وليس معي دليل يقنعكم حتى تفعلوا المعصية ، لا هذا ولا ذاك ، فما الحكاية إذن ؟ قال : " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " . أي إنكم أطعتموني واستجبتم لدعوتي بلا سلطان قوة أقهركم به على شيء ، ولا سلطان دليل أقنعكم به . ويذيل الحق الآية بقوله : { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } [ آل عمران : 151 ] أي أن المرجع الذي يأوون إليه هو النار ، والمأوى هو الموضع الذي ترجع أنت إليه . وكأن في هذا المرجع ذاتية من الكافر تلقيه على النار فهو - أي الكافر - مأواه ومثواه الذي يرجع إليه . ولذلك يجب أن نفطن إلى قوله الحق في بعض الأساليب : " وإليه تَرجَعون " وقوله : " وإليه تُرجَعون " . { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } [ آل عمران : 151 ] … أي مثوى لا مفر بعده أبداً ، فكل مثوى من الجائز أننا نرحل عنه ، لكن المثوى الذي سيبقى خلوداً للظالمين هو النار وهو بئس المثوى . وبعد ذلك يقول الحق : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ … } .