Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-152)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونعرف أن في { صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [ آل عمران : 152 ] مفعولين : الأول هو ضمير المخاطبين في قوله : " صدقكم " ، والثاني هو قوله " وَعْد " المضاف إليه الضمير العائد على لفظ الجلالة " الله " فهو - سبحانه - قد أحدث وعداً ، والواقع جاء على وفق ما وعد . لقد قال الحق : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد : 7 ] . وقال سبحانه : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] . والآيتان تؤكدان قضية وعدية ، بعد ذلك جاء التطبيق العملي … فهل وقع الوعد أو لم يقع ؟ لقد وقع ، ومتى ؟ فهل يشير الحق في هذه الآية إلى موقعة بدر ؟ { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [ آل عمران : 152 ] . و " تحسونهم " أي تُذهبون الحس منهم ، والحس : هو الحواس الخمس ، ومعنى أذهبت حسه يعني أفقدته تلك الحواس . " إذ تحسونهم " وقد حدث ، وتمكنتم منهم تقتلونهم وتأسرونهم ، أو الحس : هو الصوت الذي يخرج من الإنسان ، وما دام فقد الحس يعني انتهى ، { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [ آل عمران : 152 ] فحينما صدقتم لقاءكم لعدوكم على منهج الله صدق الله وعده هذا في بدر . أما هنا في أُحد فقد جاء فيكم قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } [ آل عمران : 152 ] أي جبنتم . { وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ } [ آل عمران : 152 ] أمر الرسول { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 152 ] وهي الغنائم ، { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [ آل عمران : 152 ] . كأنه سبحانه يعطينا العبرة من معركتين : معركة فيها صدق وعد الله ، وفعلاً انتصرتم ، وأيضاً صدق وعد الله حينما تخليتم عن أمر الرسول فحدث لكم ما حدث . إذن فالمسألة مبسوطة أمامكم بالتجربة الواقعية ، ليس بالكلام النظري وليس بالآيات فقط ، بل بالواقع . أو أن الأمر كله دائر في أُحد ، نقول فرضاً : هو يدور في أُحد ودع بدراً هذه ، حينما دخلتم أيها المسلمون أول الأمر انتصرتم أم لم تنتصروا ؟ لقد انتصرتم ، وطلحة بن أبي طلحة الذي كان يحمل الراية للكفر قتل هو وبضعة وعشرون ، الراية الكافرة قد سقطت في أول المعركة ، وحامل الراية يقتل وهذا ما وضحه قوله تعالى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 152 ] فجماعة تقول : لنبق في أرض المعركة ، وجماعة تقول : ننسحب . ورأيتم الغنائم فحدث منكم كذا وكذا . فتأتي النكسة ، ولو لم يحدث ما حدث لكان من حقكم أن تتشككوا في هذا الدين ، إذن فما حدث دليل على صدق هذا الدين ، وأنكم إن تخليتم عن منهج من مناهج الله فلا بد أن يكون مآلكم الفشل والخيبة والهزيمة . { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 152 ] ، فجماعة قالوا : نظل كما أمرنا الرسول ، وجماعة قالوا : نذهب إلى الغنائم { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [ آل عمران : 152 ] . . وما دمتم قد تنازعتم وقالت جماعة : لنتمسك بمواقعنا ، وقالت جماعة أخرى : لنذهب إلى الغنائم ، إذن فالذي أراد مواصلة القتال إنما يريد الآخرة ولم تلهه الغنائم ، والقسم الذي أراد الدنيا قال : لنذهب إلى الغنائم . وفي هذه المسألة قال ابن مسعود رضي الله عنه : والله ما كنت أعلم أن أحداً من صحابة رسول الله يريد الدنيا حتى نزل فينا ما نزل يوم أُحد . أي أنه لم يكن يتصور أن من بين الصحابة من يريد الدنيا ، بل كان يظن أنهم جميعاً يريدون الآخرة ، فلما نزل قول الله : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [ آل عمران : 152 ] عرف ابن مسعود أن من الصحابة من تتقلب به الأغيار . وذلك لا يقدح فيهم لأنهم رأوا النصر ، فظنوا أن المسألة انتهت لقد سقطت راية الكفر ، وقتل المؤمنون عدداً من صناديد قريش . ولقد عفا الله عن المؤمنين وغفر لهم ما بدر منهم من مخالفة لأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - . { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } [ آل عمران : 152 ] نعم لأنكم كنتم مشغولين بقتالهم قبل أن تنظروا إلى الغنائم ، فلما نظرتم إلى الغنائم اتجه نظركم إلى مطلوب دنياكم ، فانصرفتم عنهم ، ولم تجهزوا عليهم ولم تتم لكم هزيمتهم وقهرهم ، { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } [ آل عمران : 152 ] وابتلاؤكم في هذه الغزوة إنما هو رياضة وتدريب على المنهج ، كأنهم غزوة مقصودة للابتلاء ، فترون منها كل ما حدث . وبعد ذلك نجحت التجربة ، فبعد هذه المعركة لم ينهزم المسلمون في معركة قط . ولذلك يقولون : الدرس الذي يعلم النصر في الكثير لا يعتبر هزيمة في القليل . والمثال على ذلك : لنفرض أن ولداً من الأولاد رسب سنة ، ثم حمل ذلة الرسوب ، نجده ينال بسبب ذلك مرتبة متميزة بعد ذلك بين العشرة الأوائل ، إذن فالرسوب الأول له كان خيراً . { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } [ آل عمران : 152 ] لأنه كان لكم وجهة نظر أيضاً عندما تصورتم أن المعركة انتهت بسقوط راية الكفر ومقتل طلحة بن أبي طلحة ومقتل بعض من الصناديد في معسكر الكفر ، فظننتم أن المسألة انتهت ، لكن كان يجب أن تذكروا أن الرسول قال لكم : اثبتوا في مراكزكم وأماكنكم حتى لو رأيتمونا نتبع القوم إلى مكة ، ولو رأيتموهم يدخلون المدينة . أيوجد تحذير أكثر من ذلك ! ؟ { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 152 ] وسبحانه جل وعلا لم يخرجهم من الحظيرة الإيمانية بهذا القول الحكيم . ويقول الحق من بعد ذلك : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَاكُمْ … } .