Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 156-156)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والضرب في الأرض هو السعي واستنباط فضل الله في الأرض وفي سبيله لإعلاء كلمته ، فالذين كفروا يرتبون الموت والقتل والعمليات التي يفارق الإنسان فيها الحياة على ماذا ؟ على أنه ضرب في الأرض أو خرج ليقاتل في سبيل الله ، وقالوا : لو لم يخرجوا ما حصل لهم هذا ! سنرد عليهم ، ونقول لهم : كأنكم لم تروا أبداً ميتاً في فراشه . كأنكم لم تروا مقتولاً يسقط عليه جدار ، أو يصول عليه جمل ، أو تصيبه طلقة طائشة ، هل كل من يموت أو يقتل يكون ضارباً في الأرض لشيء أو خارجاً للجهاد في سبيل الله ؟ ! ّإذن فهذا حُمق في استقراء الواقع ، وجاء الحق بذلك ليعطينا صورة من حكمهم على الأشياء ، إنه حكم غير مبني على قواعد استقرائية حقيقية . فإذا عرفنا أنهم كفروا نقول : هذه طبيعتهم ، لأننا نجد أن حكمهم ليس صحيحاً في الأشياء الواضحة ، وما دام حكمهم ليس صحيحاً أو حقيقياً في الجزئيات التي تحدث - فإذا عرفتم أنهم كفروا فهذا كلام منطقي بالنسبة لهم - فشأنهم أنهم لا يتثبتون في أحكامهم فلا عجب - إذن - أن كانوا كافرين . { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } [ آل عمران : 156 ] وغُزى : جمع غازٍ ، مثل : صُوّم وقُوَّم يعني جمع : صائم وقائم . { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 156 ] . إذن فالله سبحانه وتعالى يصور لهم ما يقولونه ليعذبهم به ، كيف ؟ لأنهم عندما يقولون : لو كانوا عندنا لكنا منعناهم أن يخرجوا أو يُقتلوا ، إذن فنحن السبب . وهكذا نجد أنهم كلما ذكروا قتلاهم أو موتاهم يعرفون أنهم أخطأوا ، وهذه حسرة في قلوبهم ، ولو أنهم ردوها إلى الحق الأعلى لكان في ذلك راحة لهم ولَما كانوا قد أدخلوا أنفسهم في متاهة ، ويحدُث منهم هذا حتى نعرف غباءهم أيضاً فهم أغبياء في كل حركاتهم وفي استقراء الأحداث الجزئية ، وأغبياء في استخراج القضية الإيمانية الكلية ، أغبياء في أنهم حشروا أنفسهم وأدخلوها في مسألة ليست من شأنهم ، فأراد ربنا سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك حسرة عليهم . { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 156 ] إن القضية الإيمانية هي { وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [ آل عمران : 156 ] أي هو الذي يَهَب الحياة وهو الذي يهب الموت ، فلا الضرب في الأرض ولا الخروج في سبيل الله هو السبب في الموت ، ولذلك يقول خالد بن الوليد - رضي الله عنه - : لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةُ سيف أو طعنة رمح ، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر - أي حتف أنفه - فلا نامت أعين الجبناء . والشاعر يقول : @ ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مُخْلِدِي ؟ @@ أي يا من تمنعني أن أحضر الحرب هل تضمن لي الخلود ودوام البقاء إذا أحجمت عن القتال . ويكمل الشاعر قوله : @ فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي @@ ويختم الحق الآية بقوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ آل عمران : 156 ] فكأنهم قد بلغوا من الغباء أنهم لم يستتروا حتى في المعصية ، ولكنهم جعلوها حركة تُرى ، وهذا القول هنا أقوى من " عليم " لأن " عليم " تؤدي إلى أن نفهم أنهم يملكون بعضاً من حياء ويسترون الأشياء ، ولكن علم الله هو الذي يفضحهم . لا ، هي صارت حركة واضحة بحيث تُبْصَر . فجاء قوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ آل عمران : 156 ] . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ … } .