Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 167-167)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } [ آل عمران : 167 ] أي يجعلهم يظهرون وينكشفون أمام الناس ، وإلا لو لم تحدث هذه الأحداث فكيف كنت تعرف المنافق ؟ سيستر نفسه . لابد إذن أن تأتي أحداث لتظهره وتفضحه ، فالمنافق يراوغ لذلك يأتيه الحق بأحداث ليظهر على حقيقته ، وقد كان . { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُوا } [ آل عمران : 167 ] … وكانت المدينة مهاجمة ، وإذا انتصر الكفار فسيدخلون ويسْبون ويأخذون المسلمين أسرى ويفعلون كل منكر ! ! فقال عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري للمنافقين : اخرجوا وقاتلوا معنا ، وإن لم تخرجوا لتقاتلوا معنا … اخرجوا لتدفعوا عن أنفسكم وعن أموالكم وعن نسائكم لأنهم إذا انتصروا على المسلمين فسيدخلون ويفعلون كذا وكذا ، إنه دعاهم إلى القتال على طريق إثارة الحمية والأنفة فيهم وذلك بعد أن يئس من أنهم لم يقاتلوا في سبيل الله ، ولما رأى إصرارهم على عدم الخروج قال لهم عبد الله : اذهبوا أعداء الله فسيغني الله رسوله عنكم . إذن ففيه فرق بين القتال في سبيل الله وبين الدفاع عن النفس فقال : { قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُوا } [ آل عمران : 167 ] … أو ادفعوا عنا ولو بتكثير سوادنا وإظهار كثرتنا حتى يظن المشركون أن معنا أناساً كثيرين . { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } [ آل عمران : 167 ] … وعندما نتابع هذا المنطق في القصة في ذاتها نجد أن " ابن أُبَيّ " كان من رأيه أن يظل رسول الله في المدينة لماذا ؟ لأنه قد ثبت بالتجربة أنه إذا جاء قوم ليغيروا على المدينة ودخلوها فأهل المدينة ينتصرون عليهم ، وإذا خرج لهم أهل المدينة فهم ينهزمون . إذن فالقضية واضحة في ذهن ابن أُبَيّ ، فهو لم يرض أن يخرج لأن التجارب أثبتت له أنهم إذا خرجوا عن المدينة ليحاربوا العدو فعدوهم ينتصر عليهم ، وإذا ظلوا انتصروا ، إذن فهو واثق من نتيجة الخروج ، ولكن ما دامت المسألة قد صدرت من رأس النفاق عبد الله بن أبيّ فأنت لا تستطيع أن تحكم أين الحق ، فمن الجائز أن آثار يوم هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة هذه الآثار كانت باقية في نفس " ابن أبيّ " ففي ذلك اليوم الذي جاء فيه الرسول إلى المدينة كان هو اليوم الذي كان سيتوج فيه المنافق " ابن أُبَيَّ " ليكون ملكاً على المدينة ، فلما جاء الرسول بهذا الحدث الكبير تغير الوضع وصار التاج من غير رأس تلبسه ، فهذه قد حملها في نفسه . { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } [ آل عمران : 167 ] لقد ادّعى ابن أبيّ أن الخروج من المدينة هو كإلقائه إلى التهلكة وليس قتالاً لأن القتال تدخله وعندك مظنة أن تنتصر ، إنما هذا إلقاء إلى تهلكة وليس قتالاً ، لكن أقال : " لو نعلم قتالاً لاتبعناكم " وهو صادق ؟ إن الحق يفضحهم : { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ } [ آل عمران : 167 ] ، فقبل ذلك كانوا في نفاق مستور ، وما دام النفاق مستوراً فاللسان يقول والقلب ينكر ويجحد ، فهم مذبذبون بين ذلك لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، هذه المسألة جعلته قريباً من الكفر الظاهر . { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] … إذن فالقلب عمله النية الإيمانية ، واللسان قد يقول ولا يفعل ما يقول ، ولذلك قلنا : إن المنافق موزع النفس ، موزع الملكات ، يقول بلسانه كلاماً وقلبه فيه إنكار ، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار لأنهم غشاشون ، ونفوسهم موزعة . { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] والقول ضرورة بالفم لأن القول يُطلق ويراد به البيان عما في النفس ، فتوضيح الإنسان لما في نفسه كتابة ، يعتبر قولاً - لغة - ولذلك فالذي يستحي من واحد أن يقول له كلاماً فهو يكتبه له في ورقة ، فساعة يكتب يكون قد قال ، وهؤلاء المنافقون يقولون كلماتهم لا بوساطة كتاب بل بوساطة أفواههم ، وهذا تبجح في النفاق ، فلو كانوا يستحون لهمسوا به : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] إذن فاللسان لم يتفق مع القلب . فالقلب منعقد ومصر على الكفر - والعياذ بالله - واللسان يتبجح ويعلن الإيمان . ونعرف أن " الصدق " هو أن يوافق القول الواقع ، والواقع في القضية الإيمانية نية في القلب وحركة تُثبت الإيمان ، أما المنافقون فلسانهم لا يوافق قلبهم ، فلما كان ما في القلب مستوراً ثم ظهر إلى الجوارح انكشفوا . وهذا هو السبب في أنهم كانوا أقرب إلى الكفر ، { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] وهذا لون من نقص التصور الإيماني في القلب ، كأنهم يعاملون الله كما يعاملون البشر مثلهم . وبعد ذلك يقول الحق : { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ … } .