Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 168-168)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فعندما أراد ابن أُبَيٍّ أن يخذِّل الجيش ، وافقه بعض المنافقين ولم يوافقه البعض . هؤلاء الذين خرجوا للقتال والجهاد ولم يوافقوهم ثم قتلوا فرحوا فيهم ، وقالوا : لو كانوا أطاعونا ومكثوا في المدينة ولم يخرجوا لما انهزموا ولما قتلوا ، وكأن الحق يوضح لنا أسلوبهم لذلك سنأخذهم من منطقهم … هم قعدوا وقالوا عن إخوانهم الذين قُتلوا في المعركة والذين هم من جماعتهم : { لَوْ أَطَاعُونَا } [ آل عمران : 168 ] كأن قولاً صدر منهم : " أن اقعدوا " ولكن القوم الآخرين الذين هم أقل نفاقاً . لم يطاوعوهم وخرجوا ، فحدث لهم ما حدث . فكيف يرد الله على هذه ؟ انظروا إلى الرد الجميل : أنتم تقولون : { لَوْ أَطَاعُونَا } [ آل عمران : 168 ] ، فكأن طاعتكم كانت وسيلة لسلامتهم من القتل . إذن فأنتم تعرفون طريق السلامة من القتل . والذي يعرف طريق السلامة من القتل هل يعرف طريق السلامة من الموت ؟ ولذلك يقول الحق سخرية بهم : { فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ آل عمران : 168 ] وفي ذلك رد عليهم من كلامهم { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } [ آل عمران : 168 ] . وما دمتم تعرفون وسيلة للسلامة من القتل فاستعملوا هذه الوسيلة في أن تدفعوا عن أنفسكم الموت . وأنتم مع المتقدمين منكم والحاضرين تموتون ولا تستطيعون رد الموت عنكم ، إذن فأنتم لا تعرفون طريق السلامة من الموت فكم من مُحارب عاد من الحرب سليماً ، وكم من هارب من القتال قد مات وانتهى ، وهَبْ أن بعضاً من المؤمنين المقاتلين قد قُتل ، إن الذي قُتل في المعركة ليس أهون على الله ممن سلم من المعركة ، هؤلاء أحب إلى الله وقد عجل الله لقاءهم وأنزلهم المنزل المقرب عنده . ونعرف أن الحدث إنما يُحمد ويُذم بالنسبة للغاية منه ، فكل حدث يُقربك من الغاية يكون محموداً ، وكل حدث يُبعِدك عن الغاية يكون غير محمود ، فإذا كانت الغاية أن تذهب إلى الإسكندرية مثلاً فقد تذهب إليها ماشياً فتحتاج إلى عدة أيام ، وقد تذهب إليها راكباً دابة فتحتاج إلى زمن أقل ، أو تذهب إليها راكباً عربة فيقل الزمن لساعات ، أو تذهب إليها راكباً طائرة فتصلها في نصف الساعة ، فكلما كانت الوسيلة قوية كان الزمن قليلاً لأننا نعلم أن القوة الفاعلة في النقلة تتناسب مع الزمن تناسباً عكسياً . وكلما زادت القوة قل الزمن ، وما دامت غايتي أن أذهب إلى الإسكندرية . فالذي يُعجل لي الزمن ويقلله لأذهب إليها أفضل أم لا ؟ إنها الوسيلة الأفضل . فما دامت الغاية أن تذهب إلى لقاء الله وأن تعيش في جواره ومعيته ، فحين يُعجل الله ببعضنا فيأخذهم من أقصر طريق فهذا أفضل بالنسبة لهم أم لا ؟ هذا أفضل ، وهكذا نرى أن الناس تنظر للموت نظرة حمقاء ، إن موت المؤمن الحق الصادق الإيمان إنما يقربه إلى الغاية ، فما الذي يُحزنني !