Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 16-16)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إن قولهم : { رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا } [ آل عمران : 16 ] هو أول مرتبة للدخول على باب الله ، فكأن الإيمان بالله يتطلب رعاية من الذي تلقى التكليف لحركة نفسه ، لأن الإيمان له حق يقتضي ذلك ، كأن المؤمن يقول : أنا ببشرتي لا أستطيع أن أوفي بحق الإيمان بك ، فيارب اغفر لي ما حدث لي فيه من غفلة ، أو زلة ، أو مِنْ كِبْر ، أو من نزوة نفسي . وهذا الدعاء دليل على أنه عرف مطلوب الإيمان كما أوضحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيانه لمعنى الإحسان حين قال : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . كأن تستحضر الله في كل عمل لأنه يراك . وهل يتأتى لواحد من البشر أن يجترئ على محارم من يراه بعينه ؟ حينئذ يستحضر المؤمن ما جاء إلينا من مأثور القول ، كأنه سبحانه وتعالى يوجه إلينا الحديث : يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم ، فالخلل في إيمانكم . وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟ وكأن الحق سبحانه يقول للعبد : هل أنا أقل من عبيدي ؟ أتقدر أن تسيء إلى أحد وهو يراك ؟ إذن فكيف تجرؤ على الإساءة لخالقك ؟ إن قول المؤمنين : { إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا } [ آل عمران : 16 ] دليل على أنهم علموا أن الإيمان مطلوباته صعبة . { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [ آل عمران : 16 ] . فلنر على ماذا رتبوا غفران الذنب ؟ لقد رتبوا طلب غفران الذنب على الإيمان . لماذا ؟ لإنه ما دام الحق سبحانه وتعالى قد شرع التوبة ، وشرع المغفرة للذنب ، فهذا معناه أنه سبحانه قد علم أزلاً أن عباده قد تخونهم نفوسهم ، فينحرفون عن منهج الله . ويختم الحق سبحانه الآية بقوله على ألسنة المؤمنين : { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 16 ] لأنه ساعة أن أعلم أن الحق سبحانه وتعالى ضمن لي بواسع مغفرته أن يستر عليّ الذنب ، فإن العبد قد يخجل من ارتكاب الذنب ، أو يسرع بالاستغفار . ولماذا لا يكون قوله { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [ آل عمران : 16 ] بمعنى استرها يارب عنا فلا تأتي لنا أبداً ؟ وإن جاءت فهي محل الاستغفار والتوبة . فإذا أذنبت ذنباً ، واستغفرت ربي ، وعلمت أن ربي قد أذن بالمغفرة لأنه قال : { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [ نوح : 10 ] . فإن الوجل يمتنع ، والخوف يذهب عني ، وأقبل على الله بمحبة على تكاليفه وأحمل نفسي على تطبيق منهج الله كله . ولذلك حينما شرع الله الحق سبحانه وتعالى للخلق التوبة كان ذلك رحمة أخرى . وهذه الرحمة الأخرى تتجلى في المقابل والنقيض . هب أن الله لم يشرع التوبة وأذنب واحد ذنباً ، وبمجرد أن أذنب ذنباً خرج من رحمة الله ، فماذا يصيب المجتمع منه ؟ إن كل الشرور تصيب المجتمع من هذا الإنسان لأنه فقد الأمل في نفسه ، أما حينما يفتح الله له باب التوبة فإن ارتكب العبد ذنباً ساهياً عن دينه ، فإنه يرجع إلى ربه . وتلك واقعية الدين الإسلامي ، فليس الدين مجرد كلام يقال ، ولكنه دين يقدر الواقع البشري ، فإنه - سبحانه - يعلم أن العباد سيرتكبون الذنوب ، فيرسم لهم أيضاً طريق الاستغفار . فإذا ما ارتكب العباد ذنوباً ، فإن الحق يطلب منهم أن يتوبوا عنها . وأن يستغفروا الله . فإذا ما لذعتهم التوبة حينما يتذكر الذنب فإن هذه اللذعة كلما لذعتهم أعطاهم الله حسنة . كأن غفران الذنب شيء ، والوقاية من النار شيء آخر . كيف ؟ لأنه ساعة أن يعلم العبد أن الحق سبحانة وتعالى ضمن للعبد مغفرته ، وهو الخالق المربي ، فإن العبد يذهب إلى الله مستغفراً طامعاً في المغفرة والرحمة . إنها دعوة المؤمنين إن كانوا قد نسوا أن يستغفروا لأنفسهم . لماذا ؟ لأن الاستغفار من الذنب تكليف من الله . وكما قلنا : إن الإنسان قد ينسى بعضاً من التكاليف ، لذلك فمن الممكن أن يسهو عن الاستغفار ، ولذا يقول الحق على ألسنة عباده المؤمنين : { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 16 ] . ومعنى التقوى أن تجعل بينك وبين النار وقاية ، أو تجعل بينك وبين غضب ربك وقاية ، فإذا ما أخذت النعم من الله لتصرفها في منهج الله تكون حسنة لك ، وقلنا : إن " اتقوا الله " و " اتقوا النار " ملتقيتان ، لأن معنى " اتقوا النار " كي لا تصيبكم بأذى ، و " اتقوا الله " تعني أن نضع بيننا وبين غضب الله وقاية ، لأن غضب الله سيأتي . وبعد ذلك يقول الحق : { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ … } .