Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تلك هي قضية القمة ، ولذلك يتكرر في القرآن التأكيد على هذه القضية ، { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] . و " الله " كما يقولون مبتدأ ، و " لا إله إلا هو " خبر ، والمبتدأ لابد أن يكون متضحاً في الذهن ، فكأن كلمة " الله " متضحة في الذهن ، ولكنه يريد أن يعطي لفظ " الله " الوصف الذي يليق به وهو " لا إله إلا هو " . ولذلك يقول الحق : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [ العنكبوت : 61 ] . إذن فالله متضح في أذهانهم ، ولكن السلطات الزمنية أرادت أن تطمس هذا الإيضاح ، فجاء القرآن ليزيل ويمحو هذا الطمس مؤكداً { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] فهذه قضية أطلقها الحق شهادة منه لنفسه : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 18 ] . وكفى بالله شهيداً لأنها شهادة الذات للذات ، وشهدت الملائكة شهادة المشهد فلم يروا أحداً آخر إلا هو ، وكذلك ، شهد أولو العلم الذين يأخذون من الأدلة في الكون ما يثبت صدق الملائكة ويؤكد صدق الله ، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نقول : إن الحق أطلقها على نفسه وقال : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] وجعلها كلمة التوحيد وجعل الأمر في غاية اليسر والسهولة والبساطة فلم يشأ الله أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً معقداً ، أو دليلاً فلسفياً ، أو لا يستطيع أحد أن يصل إليه إلا أهل الثقافة العالية ، لا ، إن الدين مطلب للجميع من راعي الشاة إلى الفيلسوف إنه مطلوب للذي يكنس في الشارع كما هو مطلوب من الأستاذ الجامعي . فيجب أن تكون قضية الإيمان في مستوى هذه العقول جميعاً فلا فلسفة في هذه المسألة ، لذلك شاء الحق أن يجعل هذه المسألة في منتهى البساطة فأوضح الله : أنا شهدت ألا إله إلا أنا ، فإما أن يكون الأمر صدقاً وبذلك تنتهي المشكلة ، وليس من حق أحد الاعتراض ، وإن لم تكن صدقاً فقولوا لنا : أين الإله الآخر الذي سمع التحدي ، وأخذ الله منه ذلك الكون ، وقال : أنا وحدي في الكون ، وأنا الذي خلقت ، ثم لم نسمع رداً عليه ولا عن معارض له ، ألم يدر ذلك الإله الآخر ؟ إذن فذلك الآخر لا ينفع أن يكون إلهاً ، فإن علم ذلك الآخر ولم يدافع عن نفسه وملكيته للكون فإنه لا يصلح أن يكون إلهاً . وتصبح القضية لله إلى أن يظهر مدع ليناقضها ، فـ { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] كلمة حق ، وبالعقل والمنطق هو إله ولم نجد معارضاً . وقلنا سابقاً : إن الدعوى حين تُدعى ولا يوجد معارض حين نَسمعها تكون لصاحبها إلى أن يوجد المعارض . وضربنا مثلاً : نحن مجتمعون في حجرة ، عشرة أشخاص ، وبعد ذلك انصرفوا فوجد صاحب البيت حافظة نقود ، فجاء واحد متلهفاً وقال : لقد ضاعت مني حافظة نقود . فقال له صاحب البيت : وجدنا حافظة ولكن كان هنا عشرة ، فلما جيء بالعشرة ، وسئلوا لم يدعها أحد ، إذن فهي له . إن الله قد قال : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] ، فإن كان هناك إله آخر فليظهر لنا ، ولكن لا تظهر لنا إلا قوة الله { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 2 ] وما دام لا إله إلا هو ، وهذا الكون يحتاج إلى قيومية لتدبيره ، فلا بد أن يكون حياً حياة تناسبه ، لأنه سيهب حيوات كثيرة لكل الأجناس ، للإنسان وللحيوان وللنبات وللجماد ، إذن فالذي يوجدها لابد أن يكون حياً ولابد أن تكون حياته مناسبة له . و " قيّوم " هذه يسمونها صيغة مبالغة لأنّ الحدث إذا وقع فإنه يقع مرة على صورة عادية ، ومرة يقع على صورة قوية . مثلما تقول : فلان أكول ، و " أكول " غير " آكل " ، فكلنا نأكل ، وكلنا يُطلق علينا " آكل " ، لكن ليس كلنا يُطلق علينا " أكول " لأن هذه اسمها صيغة مبالغة في الحدث . وإذا كان الله هو الذي يدبر ويقوم على أمر كل عوالم الكون هل يكون قائماً أو قَيوماً ؟ لابد أن يكون قَيُّوماً . و " قيوم " معناها أيضاً : قائم بذاته . فما شكل هذا القيام ؟ إنه قيام أزلي كامل . إذن فكلمة " قيّوم " صيغة مبالغة من القيام على الأمر ، قائم بنفسه ، قائم بذاته ، ويُقيم غيره ، والغير متعدد متكرر ، فعندما يكون هذا الغير متعدداً ومتكرراً فهو يحتاج إلى صفة قوية في خالقه ، فيكون الخالق قيّوماً . إن قوله الحق : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 2 ] هو سند المؤمن في كل حركات حياته ، " عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } فضرب في صدري وقال : " ليهنك العلمُ أبا المنذر " وقولوا لنا بالله : حين يوجد ولد وأب ، هل يحمل الولد همّا لأي مسألة من مسائل الحياة ؟ لا لأن الأب متكفل بها ، والمثل العامي يقول : الذي له أب لا يحمل همّا ، إذن فالذي له ربٌّ عليه أن يستحي لأنه سبحانه يقول : أنا حيّ ، وأنا قيّوم ، و " قيّوم " يعني قائم بأمرك . ويؤكد سبحانه هذه القيّومية في سورة البقرة ، فقال في آية الكرسي : { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } [ البقرة : 255 ] ، كأنه يقول لنا : ناموا أنتم لأنني لا أنام ، وإلا فإن نمت أنت عن حراسة حركة حياتك فمن يحرسها لك ؟ إنه سبحانه يتفضل علينا بقيوميته فـ { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 2 ] ، وما دام هو " الحيّ " و " القيّوم " فأمر منطقي أنه قائم بأمر الخلق جميعاً وقد وضع لكل الخلق ما تقوم به حياتهم من مادة وصيانة مادة ، ومن قيم وصيانة قيم . وما دام هو القيوم والقائم بالأمر والمتولي الشئون للخلق فلابد أن يؤدي لهم مطلوبات مادتهم وما يبقيها ، ومطلوبات قيمهم وما يبقيها . أما مطلوبات المادة فيقول فيها : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [ فصلت : 10 ] . إنه سبحانه يطمئننا على القوت ، وأما مطلوبات القيم فقال سبحانه : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ … } .