Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-38)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنها ساعة أن قالت له : إن الرزق من عند الله ، وأنه الحق الذي يرزق من يشاء بغير حساب ، هنا أيقظت فيه القضية الإيمانية فجاءت أمنيته إلى بؤرة الشعور ، فقال زكريا لنفسه : فلنطلب من ربنا أن يرزقنا ما نرجوه لأنفسنا ، وما دام قد قال هذا القول فلا بد أنه قد صدق مريم في قضيتها ، بأن هذا الرزق الذي يأتيها هو من عند الله ، ودليل آخر في التصديق هو أنه لا بد وقد رأى أن الألوان المتعددة من الرزق التي توجد عند مريم ليست في بيئته ، أو ليست في أوانها وكل ذلك في المحراب . ونحن نعرف أن المحراب كلمة يراد بها بيت العبادة . يقول الحق : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] . أو " المحراب " وهو مكان الإمام في المسجد ، أو هو حجرة يصعد إليها بسلم ، كالمبلغات التي تقام في بعض المساجد . وما دامت مريم قد أخبرت زكريا وهي في المحراب بأن الرزق من عند الله ، وأيقظت بذلك تلك القضية الإيمانية في بؤرة شعوره ، فماذا يكون تصرفه ؟ هنا دعا زكريا أثناء وجوده في المحراب . { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [ آل عمران : 38 ] إنه هنا يطلب الولد . ولكن لا بد لنا أن نلاحظ ما يلي : - هل كان طلبه للولد لما يطلبه الناس العاديون من أن يكون زينة للحياة أو " عزوة " أو ذكرا ؟ لا ، إنه يطلب الذرية الطيبة ، وذكر زكريا الذرية الطيبة تفيد معرفته أن هنالك ذرية غير طيبة . وفي قول زكريا الذي أورده الحق : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ … } [ مريم : 6 ] . أي أن يكون دعاء لإرث النبوة وإرث المناهج وإرث القيم ، هكذا طلب زكريا الولد . لقد طلبه لمهام كبيرة ، وقول زكريا : " رب هب لي " تعني أنه استعطاء شيء بلا مقابل ، إنه يعترف . أنا ليس لي المؤهلات التي تجعل لي ولداً لأني كبير السن وامرأتي عاقر ، إذن فعطاؤك يارب لي هو هبة وليس حقاً ، وحتى الذي يملك الاستعداد لا يكون هذا الأمر حقاً له ، فلا بد أن يعرف أن عطاء الله له يظل هبة ، فإياك أن تظن أن اكتمال الأسباب والشباب هي التي تعطي الذرية ، إن الحق سبحانه ينبهنا ألاّ نقع في خديعة وغش أنفسنا بالأسباب . { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى : 49 - 50 ] . إن في ذلك لفتاً واضحاً وتحذيراً محدداً ألا نفتتن بالأسباب ، إذن فلكل عطاء من الله هو هبة ، والأسباب لا تعطي أحداً ما يريد . إن زكريا يقول : { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ } [ آل عمران : 38 ] وساعة أن تقول من : " لدنك " فهو يعني " هب لي من وراء أسبابك " . لماذا ؟ لأن الكل من الله . ولكن هناك فرقاً بين عطاء الله بسبب ، كأن يذهب إنسان ليتعلم العلم ويمكث عشرين عاماً ليتعلم ، وهناك إنسان يفيض الله عليه بموهبة ما ، ولذلك يقول أهل الإشراقات : إنه علم لدنى ، أي من غير تعب ، وساعة أن نسمع " من لدن " أي انعزلت الأسباب ، كان دعاء زكريا هو { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ } [ آل عمران : 38 ] وكلمة " هب " توضح ما جاء في سورة مريم من قول زكريا : { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [ مريم : 8 ] . إن " هب " هي التي توضح لنا هذه المعاني ، هذا كان دعاء زكريا : { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [ آل عمران : 38 ] فهل المراد أن يسمع الله الدعاء ؟ أم أن يجيب الله الدعاء ؟ إنه يضع كل أمله في الله ، وكأنه يقول : إنك يارب من فور أن تسمعني ستجيبني إلى طلبي بطلاقة قدرتك . لماذا ؟ لأنك يا رب تعلم صدق نيتي في أنني أريد الغلام لا لشيء من أمور كقرة العين ، والذكر ، والعز ، وغيرها ، إنما أريد الولد ليكون وارثاً لي في حمل منهجك في الأرض ، وبعد ذلك يقول الحق : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ … } .