Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هل كل الملائكة اجتمعوا أو نادوا زكريا ؟ لا ، لأن جبريل عليه السلام الذي ناداه . ولماذا جاء القول الحق هنا بأن الملائكة هي التي نادته ؟ لقد جاء هذا القول الحق لنفطن إلى شيء هو ، أن الصوت في الحدث - كالإنسان - له جهة يأتي منها ، أما الصوت القادم من الملأ الأعلى فلا يعرف الإنسان من أين يأتيه ، إن الإنسان يسمعه وكأنه يأتي من كل الجهات ، وكأن هناك ملكا في كل مكان . والعصر الحديث الذي نعيشه قد ارتقى في الصوتيات ووصل لدرجة أن الإنسان أصبح قادراً على جعل المؤثر الصوتي يحيط بالإنسان من جهات متعددة ، إذن فقوله الحق : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ آل عمران : 39 ] فهذا يعني أن الصوت قد جاء لزكريا من جميع الجهات . { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ آل عمران : 39 ] . لقد نادته الملائكة في أورع لقاءاته مع ربه أو هو حينما دعا أخذ ما علمه الله للأنبياء إذا حزبهم أمر قاموا إلى الصلاة . أليس طلبه من الله ؟ إذن فليقف بين يدي الله . وليجربها كل واحد منا عندما يصعب عليك أي شيء ، وتتأزم الأمور ، وتمتنع الأسباب ، فليقم ويتوضأ وضوءاً جديداً ويبدأه بالنية حتى ولو كان متوضئاً . وليقف بين يدي الله ، وليقل - إنه أمر يارب عزّ عليّ في أسبابك ، وليصل بخشوع ، وأنا أجزم بأن الإنسان ما إن يسلم من هذه الصلاة إلاّ ويكون الفرج قد جاء . ألم نتلق عن رسول الله هذا السلوك البديع ؟ إنه كلما حزبه أمر قام إلى الصلاة ؟ ومعنى حزبه أمر ، أي أن أسبابه ضاقت ، لذلك يذهب إلى الصلاة لخالق الأسباب ، إنها ذهاب إلى المسبب . وبدلاً من أن تلف وتدور حول نفسك ، اذهب إلى الله من أقصر الطرق وهو الصلاة ، لماذا تتعب نفسك أيها العبد ولك رب حكيم ؟ وقديماً قلنا : إن من له أب لا يحمل هما ، والذي له رب أليس أولى بالإطمئنان ؟ إن زكريا قد دعا الله في الأمر الذي حزبه ، وبمجرد أن دعا في الأمر الذي حزبه ، قام إلى الصلاة ، فنادته الملائكة ، وهو قائم يصلي ، إن الملائكة لم تنتظر إلى أن ينتهي من صلاته ، { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ } [ آل عمران : 39 ] . والبشارة هي إخبار بخير زمنه لم يأت ، فإذا كانت البشارة بخير زمنه لم يأت فلنر من الذي يخبر بالبشارة ؟ أمن يقدر على إيجاده أم من لا يقدر ؟ فإذا كان الله هو الذي يبشر ، فهو الذي يقدر ، لذلك فالمبشر به قادم لا محالة ، { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } [ آل عمران : 39 ] لقد قال له الله : سأعطيك . وزيادة على العطاء سماه الله بـ " يحيـي " وفوق كل ذلك : { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 39 ] . ولننظر إلى دقة الحق حين يقول : { بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً } [ آل عمران : 39 ] . هذا دليل على أنه سيعيش بمنهج الله وما يعرفه من الطاعات سيسير في هذا الطريق وهو مصدق ، وهو سيأتي بكلمة من الله ، أو هو يأتي ليصدق بكلمة من الله ، لأن سيدنا يحيى هو أول من آمن برسالة عيسى عليه السلام . وهو موصوف بالقول الحق : { وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ آل عمران : 39 ] . أي ممنوعاً عن كل ما حُرم عليه ، أو ممنوعاً عن قمة الغرائز وهي الشهوة ، وهو نبيّ ، أي قدوة في اتباع الرسول الذي يجيء في عصره ، لقد دعا زكريا ، وقام ليصلي ، وتلقى البشارة بيحيى ، وهنا ارتجت الأمور على بشرية زكريا ، ويصوره الحق بقوله : { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ … } .