Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 6-6)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والتصوير في الرحم هو إيجاد المادة التي سيوجد منها الإنسان على هيئة خاصة هذه الهيئة تختلف نوعيتها : ذكورة وأنوثة . والذكورة والأنوثة تختلفان أشكالاً بيضاء وسمراء وقمحية وخمرية وقصيرة وطويلة ، هذه الأشكال والتي يوجد عليها الخلق والتي منها : { وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ … } [ الروم : 22 ] . هذا الاختلاف في الألوان والألسنة والأشياء المتعددة يَدُل على أنها ليست من إنتاج مصنع يصنع قالباً ثم يشكل عليه ، لا فكل إنسان يولد يصنع بيد قديرة بقدرة ذاتية . إن الصانع الآن إذا أردت أن يصنع لك كوباً يصنع قالباً ويكرره ، لكن في الخلق البشري كل واحد بقالبه الخاص ، وكل واحد بشكله المخصوص ، وكل واحد بصوته الذي ثبت أن له بصمة كبصمة اليد ، وكل واحد بلون ، إذن فهي من الآيات ، وهذا دليل على طلاقة القدرة ، وفوق كل هذا هو الخلق الذي لا يحتاج إلى عملية علاج ، معنى عملية علاج أي يجعل قالباً واحداً ليصب فيه مادته . لا ، هو - جل شأنه - يقول : { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ] . إن الأب والأم قد يتحدان في اللون ولكن الابن قد ينشأ بلون مختلف ، ويخلق الله معظم الناس خلقاً سوياً ، ويخلق قلة من الناس خلقاً غير سوي فقد يولد طفل أعمى أو مصاب بعاهة ما أو بأصبع زائدة أو إصبعين … وهذا الشذوذ أراده الله في الخلق ليلفتنا الحق إلى حسن وجمال خلقه . لأن من يرى - وهو السويّ - إنساناً آخر معوَّقاً عن الحركة فإنه يحمد الله على كمال خلقه . وحين يرى إنسان له في كل يد خمس أصابع إنساناً آخر له إصبع زائدة يعوق حركة يده ، يعْرف حكمة وجود الأصابع الخمس ، فالجمال لا يثبت إلا بوجود القبح ، وبضدها تتمايز الأشياء ، الإنسان الذي له سبع أصابع في يد واحدة ، يضع الطب أمام مهمة يجند نفسه لها حتى يستطيع الطبيب أن يستأصل الزائد عن حاجة الإنسان الطبيعي . ولو خلق الله الإنسان بثلاث أصابع لما استطاع ذلك الإنسان أن يتحكم عند استعماله الأشياء الدقيقة . إن الإنسان العادي في حركته اليومية لا يدرك جمال استواء خلقه إلا إذا رأى فرداً من أفراد الشذوذ . والحق يلفت الناس الساهين عن نعم الله عليهم لرتابتها فيهم بفقدها في غيرهم . فساعة أن يرى مبصرٌ مكفوفاً يسير بعكاز ، يفطن إلى نعمة البصر التي وهبها له الله فيشعر بنعمة الله عليه . إن الشذوذ في الخلق هو نماذج إيضاحية تلفت الناس إلى نعم الله التي أنعم الله عليهم بها . هذه المُثُل في الكون تلفت الناس إلى نعم الله فيهم ، ولذلك تجدها أمامك ، وأيضاً كي لا تستدرك على خالقك ، ولا تقل ما ذنب هذا الإنسان أن يكون مخلوقاً هكذا ؟ فهو سبحانه سيعوضه في ناحية أخرى فقد يعطيه عبقرية تفوق إمكانات المبصر . ونضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - عن الذي ساح في الدنيا " تيمور لنك الأعرج " وهو القائد الذي أذهل الدنيا شجاعة ، إن الله قد أعطاه موهبة التخطيط والقتال تعويضاً له عن العرج . ونحن نجد العبقريات تتفجر في الشواذ غالباً ، لماذا ؟ لأن الله يجعل للعاجز عجزاً معيناً همةً تحاول أن تعوض ما افتقده في شيء آخر ، فيأتي النبوغ . إذن فـ { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } [ آل عمران : 6 ] وكل تصوير له حكمة . وما دام كل تصوير له حكمة فكل خلق الله جميل . عليك ألاّ تأخذ الخلق مفصولاً عن حكمة خالقه ، بل خُذ كل خلق مع حكمته . إن الذي يجعلك تقول : هذا قبيح ، إنك تفصل المخلوق عن حكمته ، ومثال ذلك : التلميذ الذي يرسب قد يحزن والده ، ولكن لماذا يأخذ الرسوب بعيداً عن حكمته ؟ لقد رسب حتى يتعلم معنى الجدية في الاستذكار ، فلو نجح مع لعبه ماذا سيحدث ؟ كل أقرانه الذين عرفوا أنه لعب ونجح سيلعبون ويقولون : هذا لعب ونجح … إذن فلا بد أن تأخذ كل عمل ومعه حكمة وجوده . كذلك لا تأخذ العقوبة منفصلة عن الجريمة ، فكل عقوبة علينا أن نأخذها ملتصقة بجريمتها ، فساعة ترى واحداً مثلاً سيحكمون عليه بالإعدام تأخذك الرحمة به وتحزن ، هنا نقول لك : أنت فصلت إعدامه عن القتل الذي ارتكبه سابقاً ، إنما لو استحضرت جريمته لوجدته يُقتَلُ عدالة وقصاصاً فقد قُتُل غيره ظلماً ، فلا تبعد هذه عن هذه . { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 6 ] ومعنى " لا إله إلا هو " أي سيُصوِّر وهو عالم أن ما يصوِّره سيكون على هذه الصورة لأنه لا يوجد إله آخر يقول له : هذه لا تعجبني وسأصور صورة أخرى ، لا لأن الذي يفعل ذلك عزيز ، أي لا يُغلب على أمر ، وكل ما يريده يحدث وكل أمر عنده لحكمة ، لأنه عندما يقول : { يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ } [ آل عمران : 6 ] قد يقول أحدٌ من الناس : إن هناك صوراً شاذة وصوراً غير طبيعية . وهو سبحانه يقول لك : أنا حكيم ، وأفعلها لحكمة فلا تفصل الحدث عن حكمته ، خُذ الحدث بحكمته ، وإذا أردت الحدث بحكمته تجده الجمال عينه ، وهو سبحانه المصوّر في الرحم كيف يشاء ، هذا من ناحية مادته . وهو سبحانه يوضح : فلن يترك المادة هكذا بل سيجعل لهذه المادة قيماً كي تنسجم حركة الوجود مع بعضها يقول سبحانه : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ … } .