Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإساءة ضدها الإحسان ، وسبق أن قلنا : إن الإحسان : أن تترك الصالح على صلاحه ، أو أن تزيده صلاحاً ، ومثَّلْنا لذلك ببئر الماء الذي يشرب منه الناس ، فواحد يأتي إليه فيردمه أو يُلوث ماءه ، وآخر يبني حوله سياجاً يحميه أو يجعل له آلة تُخرج الماء وتُريح الناس ، فهذا أحسن وذاك أساء ، فإذا لم تكُنْ محسناً فلا أقلَّ من أنْ تكفَّ إساءتك ، وتدع الحال على ما هو عليه . والحق - سبحانه وتعالى - خلق الكون على هيئة الصلاح ، ولو تركناه كما خلقه ربه لَظلَّ على صلاحه ، إِذاً لا يأتي الفساد إلا من تدخُّل الإنسان لذلك يقول سبحانه { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } [ البقرة : 11 - 12 ] . وينبغي على الإنسان أنْ يأخذ من ظواهر الكون ما يفيده ، أذكر أننا حينما سافرنا إلى مكة سنة 1950 كنا ننتظر السَّقاء الذي يأتي لنا بقربة الماء ، ويأخذ أجرة حملها ، وكنا نضعها في البزان وهو مثل الزير عندنا ، فإذا أراد أحدنا أن يتوضأ يأخذ من الماء كوزاً واحداً ويقول : نويت نية الاغتراف ، ولا يزيد في وضوئه عن هذا الكوز لأننا نشتري الماء ، أما الآن فالواحد منا لا تكفيه صفيحة لكي يتوضأ من حنفية الماء . وفي ترشيد استعمال الماء ترشيد أيضاً للصرف الصحي وللمياه الجوفية التي تضر بالمباني وبالتربة الزراعية . لذلك يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراف في استعمال الماء حتى لو كنَّا على نهر جارٍ . فمعنى الذين أساءوا : أي الذي جاء إلى الصالح فأفسده أو أنشأ إفساداً جديداً ، وطبيعي أن تكون عاقبته من جنس فِعْله { عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ … } [ الروم : 10 ] والسُّوأى : مؤنث سيء مثل : حسن للمذكر ، وحُسْنى للمؤنث . وأصغر وصُغْرى ، فهي أفعل تفضيل من السُّوء . ثم يقول سبحانه : { أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } [ الروم : 10 ] فالأمر لم يقف عند حَدٍّ التكذيب بالآيات ، إنما تعدَّى التكذيب إلى الاستهزاء ، فما فلسفة أهل الاستهزاء حينما يستهزئون بالآخرين ؟ كثيراً ما نلاحظ أن التلميذ الفاشل يستهزىء بالمجتهد ، والمنحرف يستهزىء بالمستقيم ، لماذا ؟ لأن حظ الفاشل أنْ يزهد المجتهد في اجتهاده ، وحظ المنحرف أن يصير المستقيم منحرفاً مثله ، ومن هنا نسمع عبارات السخرية من الآخرين كما حكاها القرآن : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } [ المطففين : 29 - 32 ] . لكن لا تتعجل ، وانتظر عاقبة ذلك حينما يأخذ هؤلاء المؤمنون أماكنهم في الجنة ، ويجلسون على سُرُرها وأرائكها : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 34 - 36 ] . والخطاب هنا للمؤمنين الذين تحملوا السخرية والاستهزاء في الدنيا : أقدرنا أنْ نجازيهم على ما فعلوه بكم ؟ إذن : فلسفة الاستهزاء أن الإنسان لم يقدر على نفسه ليحملها على الفضائل ، فيغيظه كل صاحب فضيلة ، ويؤلمه أنْ يرى مستقيماً ينعم بعزِّ الطاعة ، وهو في حمئة المعصية لذلك يسخر منه لعله ينصرف عما هو فيه من الطاعة والاستقامة . ثم يقول الحق سبحانه : { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ … } .