Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هل بدأ الله الخلق بالفعل ، أم ما زال يبدأ الخلق ؟ الأسلوب هنا أسلوب ربٍّ يتكلم ، فهو سبحانه بدأ الخَلْق أصوله أولاً ، وما يزال خالقاً سبحانه ، وما دام هو الذي خلق بَدْءاً ، فهو الذي يعيد { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ … } [ الروم : 11 ] . وفي أعراف البشر أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه لأن الابتداء يكون من عدم ، أمّا الإعادة فمن موجود ، لذلك يقول الحق سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ … } [ الروم : 27 ] أي : بمقاييسكم وعلى قَدْر فَهْمكم ، لكن في الحقيقة ليس هناك هَيِّن وأهون في حقه تعالى لأنه سبحانه لا يفعل بمزاولة الأشياء وعلاجها ، إنما بكُنْ فيكون ، لكن يخاطبنا سبحانه على قَدْر عقولنا . فالحق سبحانه بدأ الخلق وما يزال سبحانه يخلق ، وانظر مثلاً إلى الزرع تحصده وتأخذ منه التقاوي للعام القادم ، وهكذا في دورة مستمرة بين بَدْء وإعادة { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ … } [ الروم : 11 ] . وسبق أنْ ضربنا مثلاً بالوردة الغضَّة الطرية بما فيها من جمال في المنظر والرائحة ، فإذا ما قُطِفتْ جفَّتْ ، لأن المائية التي بها تبخرتْ ، وكذلك رائحتها ولونها انتشر في الأثير ، ثم يتفتت الباقي ويصير تراباً ، فإذا ما زرعت وردة جديدة أخذت من المائية التي تبخرت ومن اللون ومن الرائحة التي في الجو . وهكذا تبدأ دورة وتنتهي أخرى لأن مُقوِّمات الحياة التي خلقها الله هي هي في الكون ، لا تزيد ولا تنقص ، فالماء في الكون كما هو منذ خلقه الله : هَبْ أنك شربت طوال حياتك عشرين طناً من الماء ، هل تحمل معك هذا الماء الآن ؟ لا إنما تَمَّ إخراجه على هيئة عرق وبول ومخاط وصماخ أذن … الخ ، وهذا كله تبخَّر ليبدأ دورة جديدة . ثم يقول سبحانه : { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ الروم : 11 ] نلحظ أن الكلام هنا عن الخَلْق { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ … } [ الروم : 11 ] لكن انتقل السياق من المفرد إلى الجمع { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ الروم : 11 ] ولم يقل يرجع أي : الخلْق ، فلماذا ؟ قالوا : لأن الناس جميعاً لا يختلفون في بَدْء الخلق ولا في إعادته ، لكن يختلفون في الرجوع إلى الله ، فهذا مؤمن ، وهذا كافر ، هذا طائع ، وهذا عاصٍ ، وهذا بين بين ، ففي حال الرجوع إلى الله ستفترق هذه الوحدة إلى طريقين : طريق للسعداء ، وطريق للأشقياء ، لذلك لزم صيغة الإفراد في البَدْء وفي الإعادة ، وانتقل إلى الجمع في الرجوع إلى الله لاختلافهم في الرجوع ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ … } .