Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 25-25)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
السماء هنا بمعنى السماوات السبع التي تقوم بلا عَمَد ، وقلنا : إن الشيء الذي يعلوك إما أنْ يُحمل على أعمدة ، وإما أنْ يُشدَّ إلى أعلى ، مثل الكباري المعلقة مثلاً ، وكذلك السماء سقف مرفوع لا نرى له أعمدة . إذن : لا تبقى إلا الوسيلة الأخرى ، وهي أن الله تعالى { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ … } [ الحج : 65 ] فهي قائمة بأمره . { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ … } [ الروم : 25 ] لا يهتز لها نظام أبداً ، ولا تجد فيها فروجاً ، لأنها محْكَمة البناء ، وانظر إليها حين صفاء السماء وخُلوِّها من السحب تجدها ملساء ذات لون واحد على اتساعها ، أيستطيع أحد من رجال الدهانات أن يطلي لنا مثل هذه المساحة بلون واحد لا يختلف ؟ وإذا أخذنا السماء على أنها كُلُّ ما علاك فأظلَّك ، فانظر إلى الشمس والقمر والنجوم والكواكب ، وكيف أنها تقوم بأمر الله خالقها على نظام دقيق لا اختلالَ فيه ، فلم نَر مثلاً كوكباً اصطدم بآخر ، ولا شيئاً منها خرج عن مساره . وصدق الله تعالى { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] فلكل منها سرعة ، ولكل منها مداره الخاص ونظام بحسبان ذلك لأنها تقوم بأمر الله وقدرته تعالى فهي منضبطة تؤدي مهمتها دون خلل ، ودون تخلّف . فمعنى { تَقُومَ … } [ الروم : 25 ] يعني : تظل قائمة على حالها دون فساد ، وهو فعل مضارع دالٌّ على استمرار . وحين تتأمل : قبل أن يخترع الإنسان المجاهر والميكروسكوبات لم نكن نرى من المجموعة الشمسية غير الشمس ، فلما اخترعوا المجهر رأينا الكواكب الأخرى التي تدور حولها . والعجيب أنها لا تدور في دوائر متساوية ، إنما في شكل إهليلي ، يتسع من ناحية ، ويضيق من ناحية ، وهذه الكواكب لها دورة حول الشمس ، ودورة أخرى حول نفسها . فالأرض مثلاً لها مدار حول الشمس ينشأ عنه الفصول الأربعة ، ولها دورة حول نفسها ينشأ عنها الليل والنهار ، وكل هذه الحركة المركبة تتم بنظام دقيق محكم منضبط غاية الانضباط . وهذه الكواكب تتفاوت في قُرْبها أو بُعْدها عن الشمس ، فأقربها من الشمس عطارد ، ثم الزهرة ، ثم الأرض ، ثم المشتري ، ثم المريخ ، ثم زحل ، ثم أورانوس ، ثم نبتون ، ثم أبعدها عن الشمس بلوتو . ولكل منها مداره الخاص حول الشمس وتسمى عام ، ودورة حول نفسه تسمى يوم . وعجيب أن يوم الزهرة ، وهو ثاني كوكب من الشمس يُقدَّر بـ 244 يوماً من أيام الأرض ، في حين أن العام بالنسبة لها يُقدَّر بـ 225 يوماً من أيام الأرض ، فالعام أقل من اليوم ، كيف ؟ قالوا : لأن هذه دورة مستقلة ، وهذه دورة مستقلة ، فهي سريعة في دورانها حول الشمس ، وبطيئة في دورانها حول نفسها . ولو علمتَ أن في الفضاء وفي كون الله الواسع مليون مجموعة مثل مجموعتنا الشمسية في سكة التبَّانة ، وهذا كله في المجرة التي نعرفها - لو علمت ذلك لتبيَّن لك عظَم هذا الكون الذي لا نعرف عنه إلا القليل لذلك حين تقرأ : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ] فاعلم أنها مسألة لا نهاية لها ولا حدودَ في علمنا وفي عقولنا ، لكن لها نهاية عند الله . ولا أدلَّ على انضباط حركة هذه الكونيات من انضباط موعد الكسوف أو الخسوف الذي يحسبه العلماء فيأتي منضبطاً تماماً ، وهم يبنون حساباتهم على حركة الكواكب ودورانها لذلك نقول لمن يكابر حتى الآن ويقول بعدم دوران الأرض : عليك أن تعترف إذن أن هؤلاء الذين يتنبأون بالكسوف والخسوف يعلمون الغيب . فالأقرب - إذن - أن نقول : إنها لله الذي خلقها على هذه الهيئة من الانضباط والدقة ، فاجعلها لله بدل أنْ تجعلها للعلماء . ثم يقول سبحانه : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ … } [ الروم : 25 ] معنى { دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ … } [ الروم : 25 ] المراد النفخة الثانية ، فالأولى التي يقول الله عنها : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } [ يس : 29 ] والثانية يقول فيها : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] . فالأولى للموت الكلي ، والثانية للبعث الكلي ، ولو نظرتَ إلى هاتين النفختين وما جعل الله فيهما من أسرار تلتقي بما في الحياة الدنيا من أسرار لوجدتَ عجباً . فكل لحظة من لحظات الزمن يحدث فيها ميلاد ، ويحدث فيها موت ، فنحن مختلفون في مواليدنا وفي آجالنا ، أما في الآخرة فالأمر على الاتفاق ، فالذين اختلفوا في المواليد سيتفقون في البعث { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] . والذين اختلفوا في الموت سيتفقون في الخمود : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } [ يس : 29 ] فالميلاد يقابله البعث ، والموت يقابله الخمود . إذن : اختلاف هذه يعالج اتفاق هذه ، واتفاق هذه يعالج اختلاف هذه لذلك يقول : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ … } [ التغابن : 9 ] . والنفخة الثانية يؤديها إسرافيل بأمر الله لأن الحق - سبحانه وتعالى - يزاول أشياء بذاته ، ولا نعلم منها إلا أنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وسَّواه بيده ، كما قال سبحانه : { يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ … } [ ص : 75 ] أما غير ذلك فهو سبحانه يزاول الأشياء بواسطة خَلْقه في كل مسائل الكونيات . تأمل مثلاً : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا … } [ الزمر : 42 ] فالمتوفِّي هنا الله عز وجل ، وفي موضع آخر : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ … } [ السجدة : 11 ] فنقلها إلى ملَك الموت ، وفي موضع آخر : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا … } [ الأنعام : 61 ] فنقلها إلى رسل الموت من الملائكة ، وهم جنود لملَك الموت . وبيان ذلك أنه سبحانه نسب الموت لنفسه أولاً لأنه صاحب الأمر الأعلى فيه ، فيأمر به ملَك الموت ، وملَك الموت بدوره يأمر جنوده ، إذن : فمردُّها إلى الله . ثم يقول سبحانه : { إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } [ الروم : 25 ] أي : حين يسمع الموتى هذه الصيحة يهبُّون جميعاً أحياء ، فإذا هنا الفجائية الدالة على الفجأة ، وهذا هو الفارق بين ميلاد الدنيا وميلاد الآخرة ، ميلاد الدنيا لم يكُنْ فجأة ، بل على مهل ، فالمرأة قبل أنْ تلد نشاهد حملها عدة أشهر ، وتعاني هي آلام الحمل عدة أشهر ، فلا فجأة إذن .