Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلمة أم لا تأتي بداية لأنها أداة تفيد التخيير بين أمريْن ، كما تقول : أجاء زيد أم عمرو ؟ فلا بُدَّ أن تأتي بين متقابلين ، والتقدير : أهُمُ اتبعوا أهواءهم ، أم عندهم كتاب أُنزِل إليهم فهو حجة لهم على الشرك ؟ وحيث إنهم لم ينزل عليهم كتاب يكون حُجَّة لهم فلم يَبْقَ إلا الاختيار الآخر أنهم اتبعوا أهواءهم . والفعل { أَنزَلْنَا … } [ الروم : 35 ] الإنزال يقتضي عُلُوَّ المنزَّل منه ، وأن المنزَّلَ عليه أَدْنى ، فالإنزال من عُلُو الربوبية إلى ذُلِّ العبودية . ونحن لم نَرَ الإنزال ، إنما الذي تلقَّى القرآن أول مرة وباشر الوحي هو الذي رآه وأخبرنا به . والأصل في الإنزال أن يكون من الله تعالى ، وحين ينزل الله علينا إنما ليعطينا سبحانه شيئاً من هذا العُلْو ، سواء أكان العُلُو معنوياً لأن الله سبحانه ليس له مكان ، أم عُلُواً حِسِّياً كما في { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ … } [ الحديد : 25 ] . والسلطان : من التسلُّط ، وهي تدلُّ على القوة ، سواء أكانت قوة الحجة والبرهان ، فمَنْ أقنعك بالحجة والبرهان فهو قويٌّ عليك ، أو قوة قهر وإجبار كمَنْ يُرغِمك على فعل شيء وأنت كاره ، أما سلطان الحجة فتفعل وأنت راضٍ ومقتنع . وإذا استقرأنا كلمة سلطان نجد أن الله تعالى عرضها لنا في موقف إبليس في الآخرة ، حين يتبرأ من الذين اتبعوه : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ … } [ إبراهيم : 22 ] . أي : لم يكُنْ لي عليكم سلطان حجة وإقناع أستحوذ به على قلوبكم ، ولم يكُنْ لي عليكم سلطان قهر ، فأقهر به قوالبكم ، والحقيقة أنكم كنتم على تشويرة مجرد أنْ دعوتكُم جئتم مُسرعين ، وأطعتُم مختارين . وهذا المعنى يُفسِّر لنا شيئاً في القرآن خاض الناس فيه طويلاً - عن خُبْث نية أو عن صدق نية - هذا في قوله تعالى مرة لإبليس { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ … } [ ص : 75 ] ومرة أخرى : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ … } [ الأعراف : 12 ] . فالأولى تدل على سُلْطان القهر ، كأنك كنتَ تريد أنْ تسجد فجاء مَنْ منعك قهراً عن السجود ، والأخرى تدل على سلطان الحجة والإقناع ، فلم تسجد وأنت راضٍ ومقتنع بعدم السجود . وقوله تعالى : { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } [ الروم : 35 ] أي : ينطق بما كانوا به يشركون ، يقول : اعملوا كذا وكذا ، فجاء هذا على وَفْق هواهم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً … } .