Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وذكر هنا الإيمان فقال { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ الروم : 45 ] ثم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ الروم : 45 ] حتى لا يظن أحد أن العمل الصالح ربما يُغني عن الإيمان . وهذه مسألة شغلتْ كثيراً من الفلاسفة ، يقولون : كيف أن الرجل الكافر الذي يعمل الصالحات لا يُجازى عليها ؟ نقول له : أُجر ويُجازى على عمله الصالح لكن في الدنيا لأنه لم يعمل لله ، بل عمل للشهرة وللصيت ، وقد أخذ منها تكريماً وشهرة وتخليداً لِذكْراه وأقيمت لهم التماثيل … إلخ ، أما جزاء الآخرة فلمَنْ عمل العمل لوجه الله خالصاً . والقرآن يُنبِّهنا إلى هذه المسألة يقول : إياكم أنْ تُغَشُّوا بمن يعمل الأعمال للدنيا : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . وجاء في الحديث : " فعلتَ ليُقال وقد قيل " نعم بنيت مسجداً ، لكن كتبت عليه : بناه فلان ، وشرَّف الافتتاح فلان … الخ فماذا تنتظر بعد ذلك ، إن ربك يريد العمل الخالص لوجهه تعالى ، كما جاء في الحديث " ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما فعلت يمينه " . فقوله تعالى : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ الروم : 45 ] يدل على أن العمل الصالح إنْ كان صالحاً بحقٍّ يفيد صاحبه في الدنيا ، لكن لا يفيده في الآخرة إلا أن يكون صادراً عن إيمان بالله ، ثم يربط الإيمان بالعمل الصالح حيث لا يغني أحدهما عن الآخر . وقوله تعالى : { مِن فَضْلِهِ … } [ الروم : 45 ] أي : تفضُّلاً من الله ، حتى لا ينخدع أحد بعمله ، ويظن أنه نجا به ، وهذه المسألة موضع نقاش بين العلماء يقولون : مرة يقول القرآن { مِن فَضْلِهِ … } [ الروم : 45 ] ومرة يقول : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] أي : أنها حق لكم بما قدَّمتم من عمل ، فهل الجنة حق للمؤمنين أم فضل من الله ؟ ونقول : العمل الذي يطلبه الله تكليفاً من المؤمنين به يعود على مَنْ ؟ يعود على الإنسان ، ولا يستفيد الله منه بشيء لأن له تعالى صفات الكمال المطلق قبل أن يخلق الخَلْق . لذلك قال في الحديث القدسي : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي قدر جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلْكي قدر جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد ، فسألني كُلٌّ مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كمغرز إبرة إذا غمسه أحدكم في بحر ، ذلك أنِّي جَوَاد ماجد واجد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أن أقول له : كُنْ فيكون " . ويقول سبحانه : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ … } [ النحل : 96 ] . إذن : فالأعمال التكليفية لخير الإنسان نفسه ، وإنْ كانت في الظاهر تقييداً لحريته ، فهو مثلاً يريد أنْ يسرق ليزيد ماله ، فنأخذ على يديه ، ونمنعه ونقول له : تنبَّه أننا منعناك من السرقة وأنت واحد ، ومنعنا الناس جميعاً أنْ يسرقوا منك ، فأنت إذن المستفيد من منهج الله ، فلا تنظر إلى ما أخذه منك التكليف ، ولكن انظر إلى ما أعطاك هذا التكليف من الغير . وما دام التكليف كله في مصلحتك ولخيرك أنت ، فإنْ أثابك الله عليه بعد ذلك فهو فضل من الله عليك ، كما تقول لولدك مثلاً إنْ تفوقتَ سأعطيك كذا وكذا مع أنه المستفيد من التفوق ، فتكون الجائزة بعد ذلك فضلاً . كذلك الحق تبارك وتعالى يحب عبده أنْ يتقن عمله ، وأن يجتهد فيه لذلك يعطيه مكافأة عليه مع أننا المستفيدون منه . ويقول سبحانه : { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ … } [ النور : 25 ] فجعله حقاً عليه سبحانه ، كما قال : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [ الروم : 47 ] . ولو بحثنا كلمة " حق " فلسفياً لوجدنا أن كل حق لك يقابله واجب على غيرك ، فلا يكون حقاً لك إلا إذا كان واجباً على غيرك ، فحقُّك هنا واجب إذن على الله تعالى ، لكن الواجب يقتضي مُوجباً فمَنْ أوجب على الله ؟ لا أحد لأنه سبحانه أوجبه على نفسه . إذن : فالحق الذي جعله لك تفضُّلاً منه سبحانه ، والحق في أنه جعل لك حقاً ، كالذي ليس له حق في الميراث ، فيتفضل عليه واحد في التركة ويجعل له وصية يكتبها له ، فتصير حقاً واجباً ، له أن يطالب الورثة به شرعاً لأن المورِّث تفضَّل وجعله حقاً له . ثم يقول سبحانه : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } [ الروم : 45 ] نلحظ في الآية أنها تتحدث عن جزاء المؤمنين ، فما مناسبة ذِكْر الكافرين هنا ؟ قالوا : لأن الله تعالى يريد أنْ يلفت نظر عبده الكافر إلى الإيمان ومزاياه ، كأنه يقول له : تعال إلى الإيمان لتنال هذا الجزاء . ومثال ذلك - ولله المثَل الأعلى - رجل عنده ثلاثة أولاد وَعَدهم بهدية لكل مَنْ ينجح في دراسته ، فجاء آخر العام ونجح اثنان ، وأخذ كل منهما هديته ، وتألم الوالد للثالث الذي أخفق وتمنى لو كان مثل أخويْه . وكذلك الحق سبحانه لا يحب الكافرين لأنه يحب أن يكون الخَلْق جميعاً مؤمنين لينالوا جزاء الإيمان لأن الجميع عباده ، وهو سبحانه أرحم بهم من الوالدة بولدها ، وهم خِلْقته وصَنْعته ، وهل رأيتم صانعاً حطم صنعته وكسرها ، إذن : فالله تعالى حريص على عباده حتى الكافر منهم . وجاء في الحديث القدسي : " قالت السماء : يا رب ائذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم ، فقد طَعِم خيرك ، ومنع شكرك ، وقالت الأرض : يا رب ائذن لي أنْ أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت الجبال : يا رب ائذن لي أن أخرَّ على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت البحار : يا رب ائذن لي أن أُغرِق ابن آدم ، فقط طَعِم خيرك ومنع شكرك . فماذا قال الرب الخالق للجميع ؟ قال : " دعوني ومن خلقتُ ، لو خلقتموهم لرحمتموهم ، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم ، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم " . لذلك يفرح الله تعالى بتوبة عبده حين يعود إليه بعد إعراض ، ويضرب لنا سيدنا رسول الله مثلاً لتوضيح هذه المسألة فيقول : " لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره ، وقد أضله في فلاة " . فالله لا يحب الكافرين لأنهم لم يكونوا أهلاً لتناول هذا الفضل ، وما ذاك إلا لأنه سبحانه مُحِبٌّ لهم حريص على أن ينالهم خيره وعطاؤه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ … } .