Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : يا محمد ، إنْ كنتَ تعبت في الدعوة ، ولقيت من صناديد قريش عنتاً وعناداً وإيذاءً ومكراً وتبييتاً ، فنحن مع ذلك نصرناك ، وخُذْ لك أسوة في إخوانك من الرسل السابقين ، فقد تعرَّضوا لمثل ما تعرضتَ له ، فهل أسلمنا رسولنا لأعدائه ؟ إذن : اطمئن ، فلن ينال هؤلاء منك شيئاً . ومعنى { فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ … } [ الروم : 47 ] أي : الآيات الواضحات التي تثبت صدقهم في البلاغ عن الله ، ومع ذلك لم يؤمنوا وكذَّبوا { فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ … } [ الروم : 47 ] وهنا إيجاز لأمر يُفهم من السياق ، فلم يقُل القرآن أنهم كذبوا ، إنما جاء بعاقبة التكذيب { فَٱنتَقَمْنَا … } [ الروم : 47 ] . وهذا الإيجاز واضح في قصة هدهد سليمان ، في قوله تعالى : { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } [ النمل : 28 ] ثم أتبعها مباشرة : { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [ النمل : 29 ] وحذف ما بين العبارتين من أحداث تُفهَم من السياق ، وهذا مظهر من مظاهر بلاغة القرآن الكريم . وتكذيب الأمم السابقة للآيات التي جاءتهم على أيدي الرسل دليل على أنهم أهل فساد ، ويريدون أن ينتفعوا بهذا الفساد ، فشيء طبيعي أنْ يعاندوا الرسل الذين جاءوا للقضاء على هذا الفساد ، وأنْ يضطهدوهم ، فيغار الله تعالى على رسله { فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ … } [ الروم : 47 ] . ثم يقرر هذه القضية : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [ الروم : 47 ] وما كان الله تعالى ليرسل رسولاً ، ثم يُسلِمه لأعدائه ، أو يتخلى عنه لذلك قال سبحانه في موضع آخر : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . وسبق أنْ قُلْنا : لا ينبغي أن تبحث في هذه الجندية : أصادق هذا الجندي في الدفاع عن الإسلام أم غير صادق ؟ إنما انظر في النتائج ، إنْ كانت له الغلبة فاعلم أن طاقة الإيمان فيه كانت مخلصة ، وإنْ كانت الأخرى فعليه هو أن يراجع نفسه ويبحث عن معنى الانهزام الذي كان ضد الإسلام في نفسه ، لأنه لو كان من جُنْد الله بحق لتحقق فيه { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] ولا يُغلب جند الله إلا حين تنحلّ عنهم صفة من صفات الجندية . وتأمل مثلاً ما حدث في غزوة أحد ، حيث انهزم المسلمون - وإنْ كانت كلمة الهزيمة هنا ليست على سبيل التحقيق لأن المعركة كانت سجالاً ، وقد انتصروا في أولها ، لكن النهاية لم تكُنْ في صالحهم لأن الرماة خالفوا أمر رسول الله ، والهزيمة بعد هذه المخالفة أمر طبيعي . وهل كان يسرُّك أيها المسلم أنْ ينتصر المسلمون بعد مخالفتهم أمر رسولهم ؟ والله لو انتصروا مع مخالفتهم لأمر رسولهم لهانَ كل أمر لرسول الله بعدها ، ولقالوا : لقد خالفنا أمره وانتصرنا . إذاً فمعنى ذلك أن المسلمين لم ينهزموا ، إنما انهزمت الانهزامية فيهم ، وانتصر الإسلام بصِدْق مبادئه . كذلك في يوم حنين الذي يقول الله فيه { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ … } [ التوبة : 25 ] حتى أن الصِّديق نفسه يقول : لن نُغلَب اليوم عن قلة ، فبدأت المسألة بالهزيمة ، لكن الأمر كما تقول صعبوا على ربنا فأنزل السكينة عليهم ، وشاء سبحانه أن يسامحهم في هذه الزلَّة مراعاة لخاطر أبي بكر . فقوله تعالى { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [ الروم : 47 ] نعم ، نصر المؤمنين حَقٌّ على الله ، أوجبه سبحانه على نفسه ، فهو تفضُّل منه سبحانه ، كما يتفضل الموصِي بماله على الموصَى له . ثم يقول الحق سبحانه : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ … } .