Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 55-55)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أنْ عرض الحق - سبحانه وتعالى - الدليل ليهتدي به مَنْ يشاء ، ومَنْ لم يهتَد يُلوِّح له بهذا التهديد : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } [ الروم : 55 ] معنى كلمة { تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ … } [ الروم : 55 ] تدل على أنها موجودة ، لكن نائمة تنتظر الإذن لها ، فتقوم تنتظر أنْ نقول لها : كُنْ فتكون . فالقيام هنا له دلالته لأن الساعة أمر لا يتأتَّى به القيام ، إنما يقيمها الحق سبحانه ، فقوله { تَقُومُ … } [ الروم : 55 ] كأنها منضبطة كما تضبط المنبه مثلاً ، ولها وقت تنتظره ، وهي من تلقاء نفسها إنْ جاء وقتُها قامتْ . وحين تتأمل كلمة { تَقُومُ … } [ الروم : 55 ] تجد أن القيام آخر مرحلة للإنسان ليؤدي مهمته ، فيقابلها ما قبلها ، فقبل القيام القعود ، ثم الاضطجاع ، ثم النوم ، فمعنى قيام الساعة يعني : أنها جاءت لتؤدي مهمتها أداءً كاملاً . وسُمِّيَتْ الساعة لأنها دالة على الوقت الذي يأذن الله فيه بإنهاء العالم ، وإنْ كانت الساعة عندنا كوحدة الحساب الزمن نقول : صباحاً أو مساءً وَفْق حساب الحكومة أو الأهالي ، توقيت كذا أو كذا . هذه الآلة التي في أيدينا بما تضبطه لنا من وقت أمرها هيِّن ، ليست مشكلة أنْ تُقدِّم أو تُؤخِّر عدة ثوانٍ أو عدة دقائق ، تعمل أتوماتيكياً أو بالحجارة ، صُنِعتْ في سويسرا ، أو في الصين ، هذه الساعة لا تهم ، المهم الساعة الأخرى ، الساعة التي لا ساعة بعدها ، واعلم أنها منضبطة عند الحق سبحانه ، وما عليك إلا أنْ تضبط نفسك عليها ، وتعمل لها ألف حساب . وعجيب أنْ يقسم الكفار يوم القيامة { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } [ الروم : 55 ] فإنْ كذبوا في الدنيا ، فهل يَكذْبون أيضاً في الآخرة ؟ قالوا : بل يقولون ذلك على ظنهم ، وإلا فالكلام منهم في هذا الوقت ليس اختيارياً ، فقد مضى وقت الاختيار ، ولم يَعُدْ الآن قادراً على الكذب . لذلك سيقول الحق سبحانه في آخر الآية : { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } [ الروم : 55 ] فقد كانوا يقلبون الحقائق في الدنيا ، أما في الآخرة فلن يقلبوا الحقائق ، إنما يقولون على حَسْب نظرهم . والمجرمون : المجرم هو الذي خرج عن المطلوب منه بذنب يخالفه ، فنقول : فلان أجرم ، والقانون يُسمِّى الفعل جريمة . ومعنى { مَا لَبِثُواْ … } [ الروم : 55 ] اللبث : المكْث طويلاً أي في الدنيا ، أو : ما لبثوا في قبورهم بعد الموت إلى قيام الساعة ، أو : ما لبثوا بعد النفخة التي تميت إلى النفخة التي تُحيي . فهذه فترات ثلاث للبثهم في القبور ، أطولها للذين ماتوا منذ آدم عليه السلام ، ثم أوسطهم الذين جاءوا بعد ذلك أمثالنا ، ثم أقلّهم لُبْثاً وهم الذين يموتون بين النفختين ، وفي كل هذه الفترات يوجد كفار ، وعلى عهد آدم كان هناك كفار ، وعلى مَرِّ العصور بعده يُوجَد كفار ، حتى بين النفختين يوجد كفار ، إذن : فكلمة لبثوا هنا على عمومها : أطول ، وطويل ، وقصيرة ، وأقصر . وهؤلاء يقولون يوم القيامة " ما لبثنا غير ساعة " مع أن الآخرة لا كذبَ فيها ، لكنهم يقولون ذلك على حسب ظنهم لأن الغائب عن الزمن لا يدري به ، والزمن ظرف لوقت الأحداث ، كما أن المكان ظرف لمكانها ، فالنائم مثلاً لا يشعر بالزمن لأن الزمن يُحسب بتوالي الأحداث فيه ، فإذا كنتَ لا تشعر بالحدث فبالتالي لا تشعر بالوقت ، سواء أكان بنوم كأهل الكهف ، أو بموت كالذي أماته الله مائة عام ثم بعثه . ولما قاموا من النوم أو الموت لم يُوقِّتوا إلا على عادة الناس في النوم ، فقالوا : { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ … } [ الكهف : 19 ] لأنه في هذه الحالة لا يدري بالزمن ، إنما يدري بالزمن الذي يتتبع الأحداث ، وما دام الإنسان في هذه الحالة لا يدرك الزمن ، فهو صادق فيما يخبر به على ظنه . لذلك يقول تعالى في آية أخرى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } [ المؤمنون : 112 - 113 ] أي : اسأل الذين يعدُّون الزمن ويحصونه علينا ، والمقصود والملائكة ، فهم الذين يعرفون الأحداث ، ويسجلونها من خَلْق آدم عليه السلام وإلى الآن ، وإلى قيام الساعة . فلا يسأل عن عدد إلا مَنْ عدَّ بالفعل ، أو مَنْ يمكن أنْ يعُدّ ، أما الشيء الذي لا يكون مظنة العدِّ والإحصاء فلا يُعَدُّ ، وهل عَدَّ أحد في الدنيا رمال الصحراء مثلاً ؟ لذلك نسمع في الفكاهات : أن واحداً سأل الآخر : تعرف في السماء كم نجم ؟ قال : تسعة آلاف مليون وخمسمائة ألف وثلاثة وتسعون نجماً ، فقال الأول : أنت كذاب ، فقال الآخر : اطلع عِدّهم . لكن ، لماذا يستقلّ الكفار الزمن فيُقسمون يوم تقوم الساعة ما لبثوا غير ساعة ؟ وفي موضع آخر يقول عنهم : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] . قالوا : لأن الزمن يختلف بحسْب أحوال الناس فيه ، فواحد يتمنى لو طال به الزمن ، وآخر يتمنى لو قصر ، فالوقت الذي يجمعك ومَنْ تحب يمضي سريعاً وتتمنى لو طال ، على خلاف الوقت الذي تقضيه على مَضض مع مَنْ تكره ، فيمر بطيئاً متثاقلاً . على حدِّ قول الشاعر : @ حَادِثَاتُ السُّرورِ تُوزَنُ وَزْناً والبَلاَيَا تُكَالُ بالقُفزان @@ ويقول آخر : @ وَدَّع الصَّبر محبٌّ ودَّعكَ ذائعٌ مِن سِرِّهِ مَا اسْتوْدعَكْ يَقْرعُ السِّنَّ على أنْ لم يكُنْ زَادَ في تِلْكَ الخُطَى إذْ شيَّعَكْ @@ إلى أنْ يقولَ : @ إنْ يَطُلْ بعدكَ لَيْلى فلكَمْ بِتُّ أشكُو قِصَر الليْلِ معكْ @@ ففي أوقات السرور ، الزمن قصير ، وفي أوقات الغَمِّ الزمن طويل ثقيل ، ألم تسمع للذي يقول - لما جمع الليل شمله بمَنْ يحب : @ يَا لَيْلُ طُلْ يا نَوْمُ زُلْ يَا صُبْحُ قِفْ لا تطْلُعِ @@ كذلك الذي ينتظر سروراً يستبطىء الزمن ، ويود لو مرَّ سريعاً ليعاين السرور الذي ينتظره ، أما الذي يتوقع شراً أو ينتظره فيودُّ لو طالَ الزمن ليبعده عن الشر الذي يخافه . لذلك نجد المؤمنين يودُّون لو قصر الزمن لأنهم واثقون من الخير الذي ينتظرهم والنعيم الذي وُعِدوا به ، أما المجرمون فعلى خلاف ذلك ، يودُّون لو طال الزمن ليبعدهم عما ينتظرهم من العذاب لذلك يقولون ما لبثنا في الدنيا إلا قليلاً ويا ليتها طالتْ بنا . إما لأنهم لا يدرون بالزمن ويقولون حَسْب ظنهم ، أو لأنهم يريدون شيئاً يُبعد عنهم العذاب . إذن : أقسموا ما لبثوا غير ساعة ، إما على سبيل الظن ، أو لأن الغافل عن الأحداث لا يدري بالزمن ، ولا يستطيع أنْ يُحصيه ، كالعُزير الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ … } [ البقرة : 259 ] فأخبره ربه أنه لبث مائة عام { قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ … } [ البقرة : 259 ] . والذي لا شكَّ فيه أن الله تعالى صادق فيما أخبر به ، وكذلك العزير كان صادقاً في حكمه على الزمن لذلك أقام الحق - سبحانه وتعالى - الدليل على صِدْق القولين فقال : { فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ … } [ البقرة : 259 ] والطعام لا يتغير في يوم أو بعض يوم ، فقام الطعام والشراب دليلاً على صِدْق الرجل . ثم قال سبحانه { وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً … } [ البقرة : 259 ] . فقامت العظام البالية دليلاً على صِدْقه تعالى في المائة عام . ولا تقل : كيف نجمع بين صدق القولين ؟ لأن الذي أجرى هذه المسألة رب ، هو سبحانه القابض الباسط ، يقبض الزمن في حَقِّ قوم ، ويبسطه في حَقِّ آخرين . وهذه الآية { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ … } [ الروم : 55 ] جاءت بعد إعذار الله للكافرين برسله ، ومعنى إعذارهم أي : إسقاط عذرهم في أنه سبحانه لم يُبيِّن لهم أدلة الإيمان في قمته بإله واحد ، وأدلة الإيمان بالرسول بواسطة المعجزات حتى يؤمنوا بآيات الأحكام في : افعل ، ولا تفعل . فالآيات كما قلنا ثلاث : آيات تثبت قمة العقيدة ، وهو الإيمان بوجود الإله القادر الحكيم ، وآيات تثبت صِدْق البلاغ عن الله بواسطة رسله ، وهذه هي المعجزات ، وآيات تحمل الأحكام . والحق سبحانه لا يطلب من المؤمنين به أنْ يؤمنوا بأحكامه في : افعل ولا تفعل إلا إذا اقتنعوا أولاً بالرسول المبلِّغ عن الله بواسطة المعجزة ، ولا يمكن أنْ يؤمنوا بالرسول المبلِّغ عن الله إلا إذا ثبتَ عندهم وجود الله ، ووجود الله ثابت في آيات الكون . لذلك دائماً ما يعرض علينا الحق سبحانه آياته في الكون ، لكن يعرضها متفرقة ، فلم يصبّها علينا صَبّاً ، إنما يأتي بالآية ثم يُردِفها بما حدث منهم من التكذيب والنكران ، فيأتي بالآية ونتيجتها منهم ، ذلك ليكرر الإعذار لهم في أنه لم يَعُدْ لهم عُذْر في ألاَّ يؤمنوا . فنلحظ هذا التكرار في قوله سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الروم : 46 ] . ثم يذكر أن هذه الآيات لم تُجْد معهم : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [ الروم : 47 ] . ثم يسوق آية أخرى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الروم : 48 - 50 ] . ثم يذكر سبحانه ما كان منهم بعد كلِّ هذه الآيات : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } [ الروم : 51 ] . وهكذا يذكر الحق سبحانه الآية ، ويُتبعها بما حدث منهم من نكران ، ويكررها حتى لا تبقى لهم حجة للكفر ، ثم تأتي هذه الآية : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } [ الروم : 55 ] لتقول لهم : إنْ كنتم قد كذَّبتم بكل هذه الآيات ، فستأتيكم آية لا تستطيعون تكذيبها هي القيامة . وعجيب أنْ يُقسِموا بالله في الآخرة ما لبثوا غير ساعة ، وقد كفروا به سبحانه في الدنيا . وفي الآية جناس تام بين كلمة الساعة الأولى ، والساعة الثانية ، فاللفظ واحد لكن المعنى مختلف { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ … } [ الروم : 55 ] أي : القيامة { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } [ الروم : 55 ] أي : من الوقت ، ومن ذلك قول الشاعر : @ رَحلْتُ عَنِ الديارِ لكُمْ أَسِيرُ وقَلْبي فِي محبِتكُمْ أَسِيرُ @@ أي : مأسور . ولي أنا وزميلي الدكتور محمد عبد المنعم خفاجة - أطال الله بقاءه - قصة مع الجناس ، ففي إحدى حصص البلاغة ، قال الأستاذ : لا يوجد في القرآن جناس تام إلا في هذه الآية بين ساعة وساعة ، لكن يوجد فيه جناس ناقص ، فرفع الدكتور محمد أصبعه وقال : يا أستاذ أنا لا أحب أنْ يُقال : في القرآن شيء ناقص . فضحك الشيخ منه وقال له : إذن ماذا نقول ؟ وقد قسم أهل البلاغة الجناس إلى تام وناقص : الأول تتفق فيه الكلمتان في عدد الحروف وترتيبها وشكلها ، فإن اختلف من ذلك شيء فالجناس بينهما ناقص ، كما في قوله تعالى : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] فبين هُمزة ولمزة جناس ناقص لأنهما اختلفا في الحرف الأول . أذكر أن الشيخ أشار إليَّ وقال : ما رأيك فيما يقول صاحبك ؟ فقلت : نسميه جناس كُل ، وجناس بعض ، يعني : تتفق الكلمتان في كل الحروف أو في بعضها ، وبذلك لا نقول في القرآن : جناس ناقص . فقولهم { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } [ الروم : 55 ] أي : الساعة الزمنية التي نعرفها ، والزمن له مقاييس : ثانية ، ودقيقة ، وساعة ، ويوم ، وأسبوع ، وشهر ، وسنة ، وقرن ، ودهر ، وهم يقصدون الساعة الزمنية المعروفة لنا . إذن : فهم يُقلِّلون مدة مُكْثهم في الدنيا أو في القبور لما فاجأتهم القيامة ، وقد أخبرناهم وهم في سَعَة الدنيا أن متاع الدنيا قليل ، وأنها قصيرة وإلى زوال ، فلم يُصدّقوا والآن يقولون : إنها كانت مجرد ساعة ، ولم يقولوا حتى شهر أو سنة ، فكيف تستقل ما سبق أن استكثرته ، وظننتَ أنك خالد فيه حتى قلتَ { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ … } [ الجاثية : 24 ] . ففي الدنيا كذَّبتم وأنكرتم ، ولم تستجيبوا لداعي الإيمان ، أما الآن في الآخرة فسوف تستجيبون استجابة مصحوبة بحمده تعالى ، كما قال سبحانه : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ … } [ الإسراء : 52 ] أي : تقولون الحمد لله والإنسان لا يحمد إلا على شيء محبوب . ثم يقول سبحانه : { كَذَلِكَ … } [ الروم : 55 ] أي : كهذا الكذب { كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } [ الروم : 55 ] والإفك من أَفِك إفكاً ، أي : صرف الشيء عن وجهه لذلك سُمِّي الكذب إفكاً لأن الكاذب يخبر بقضية تخالف الواقع ، فيأتي بها على غير وجهها ، أو يُوجِدها وهي غير موجودة ، أو ينكر وجودها . ومنه قوله تعالى : { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [ النجم : 53 ] وهي القرى التي قلبها الله ، فجعل عاليها سافلها . فقوله { كَذَلِكَ … } [ الروم : 55 ] أي : كهذا الإفك كانوا يُؤْفكون ، يعني : يكذِّبون الرسل في الحقائق التي جاءوا بها من قِبلَ ربهم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ … } .