Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 6-6)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الوعد : هو الإخبار بما يسرُّ قبل أنْ يكون { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ … } [ الروم : 6 ] وفرْقٌ بين وعد الله ووعد الناس لأنك قد تعد إنساناً بخير ، وتحول الأسباب بينك وبين إنفاذ ما وعدتَ به ، كأن يتغير رأيك أو تضعف إمكاناتك ، أو يتغير السبب الذي كنت ستفعل من أجله . إذن : أنت لا تملك عناصر الوفاء وأسبابه ، أمّا وعد الحق سبحانه وتعالى فوعد محقق ، حيث لا توجد قوة تُخرِجه عما وعد ، وهو سبحانه لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فما دام الوعد وعدَ الله فثِقْ أنه محقق . لذلك يُعلِّمنا الحق سبحانه : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 23 - 24 ] والمعنى : اجعل لنفسك مَخرجَاً من الكذب إنْ حالت الأسباب بينك وبين ما وعدتَ به ، بأن تجعل أمرك تحت مشيئة ربك ، لا مشيئتك ، لأنك لا تملك من عناصر إتمام الفعل شيئاً . إذن : أدرِكْ نفسك ، وقُلْ إنْ شاء الله ، حتى إذا حالتْ الأسباب بينك وبين ما أردتَ قلت : شِئْت ، ولكن الله تعالى لم يشَأ . والله تعالى لا يُخلِف وعده لأنه سبحانه يعلم الأشياء على وَفْق ما تكون ، ولا توجد قوة تُحوِّله عن مراده ، وليس له شريك يراجعه ، أو يُخرِجه عن مراده . وإنْ شئت فاقرأ : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [ المسد : 1 - 5 ] . ألم يكُنْ من الممكن وقتها أنْ يُسلِم أبو لهب كما أسلم حمزة وعمر وخالد وعكرمة وغيرهم ؟ أليست له حرية الاختيار كهؤلاء ؟ بل ألم يسمع هذه السورة ؟ ومع هذا كله كفر وأصرَّ على كفره ، ولم ينطق بكلمة الإيمان ، ولو حتى للكيد لرسول الله فيقول في نادي قريش ولو نفاقاً : قال محمد كذا وأنا أشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله . أليس هذا دليلاً على غبائه ؟ إذن : ما دام أن القرآن أخبر فلا بُدَّ أن يتم الأمر على وَفْق ما أخبر به . ونلحظ هنا أن كلمة الوعد تعني البشارة بالخير القادم في المستقبل والكلام هنا عن فريقين : فريق منتصر يفرح بالنصر ، وفريق منهزم يحزن للهزيمة ، فكيف يستقيم الوعد في حَقِّه ؟ فالفرح للمؤمن غَمٌّ لغير المؤمن . ولتوضيح هذه المسألة نذكر أن المستشرقين وقفوا عند قوله تعالى من سورة الرحمن : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 14 - 16 ] وقالوا : هذا الكلام معقول بالخلق من نعم الله ، لكن ماذا عن قوله : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 35 - 36 ] فأيُّ نعمة في النار وفي الشواظ ؟ وفات هؤلاء أنه من النعمة أن ننبهك إلى الخطر قبل أنْ تقع فيه ، ونحذرك من عاقبة الكفر لتنتهي عنه كالوالد الذي يقول لولده : إنْ أهملتَ دروسك ستفشل ، وساعتها سأفعل بك كذا وكذا . إذن : فذِكْر النار والعذاب نعمة لكل من خالف منهج الحق ، فلعله حين يسمع الإنذار يعود ويرعوي . وقوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الروم : 6 ] نفى عنهم العلم أي : ببواطن الأمور وحقيقتها . ثم أخبر عنهم : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ … } .