Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 11-11)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والكلام هنا مُوجَّه للمكابرين وللمعاندين الجاحدين لآيات الله : { هَـٰذَا … } [ لقمان : 11 ] أي : ما سبق ذِكْره لكم من خَلْق السماوات بغير عمد ، ومن خَلَق الجبال الرواسي والدواب وإنزال المطر وإحياء النبات … الخ . هذا كله { خَلْقُ ٱللَّهِ … } [ لقمان : 11 ] فلم يدَّعهِ أحد لنفسه ، وليس لله فيه شريك { فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذيِنَ مِن دُونه … } [ لقمان : 11 ] أي : الذين اتخذتموهم شركاء مع الله ، ماذا خلقوا ؟ وليس لهذا السؤال إجابة عندهم ، حيث لا واقع له يستدلون به ، ولا حتى بالمكابرة لأن الحق أبلج والباطل لجلج ، لذلك لم نسمع لهم صوتاً ولم يجرؤ واحد منهم مثلاً على أن يقول آلهتنا خلقت الجبال مثلاً أو الشمس أو القمر ، فلم يستطيعوا الردّ رغم كفرهم وعنادهم . والحق سبحانه في الرد عليهم يبين لهم أن المسألة لا تقف عند عدم قدرتهم على الخَلْق ، إنما لا يعرفون كيف خُلُقوا هم أنفسهم : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 11 ] . وفي قول الله { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] دليل على صِدْق القرآن ومظهر من مظاهر إعجازه ، فقد أخبرنا الحق سبحانه أنه سيُوجد مُضِلون يضلون الناس في مسألة الخَلْق ، ويصرفونهم عن الحق بكلام باطل . وفعلاً صدق الله وسمعنا من هؤلاء المضلين مَنْ يقول : إن الأرض قطعة من الشمس انفصلتْ عنها ، وسمعنا مَنْ يقول إن الإنسان في أصله قرد … الخ ، ولولا هذه الأقاويل وغيرها ما صدقت هذه الآية ، ولجاء أعداء الإسلام يقولون لنا : أين المضلون الذين أخبر عنهم القرآن ؟ فكأن كل كلام يناقض { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ … } [ لقمان : 11 ] هو كلام مُضِل ، وكأن هؤلاء المضلين - في غفلة منهم ودون قصد - يؤيدون كلام الله { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] . ونجد هذه المسألة أيضاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث يطلع علينا من حين لآخر مَنْ ينكر سنة رسول الله ويقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما كان فيه من حلال حللناه ، وما كان فيه من حرام حرمناه . وعندها نقول : سبحان الله ، كأن الله تعالى أقامكم دليلاً على صِدْق رسوله ، فقد أخبر الرسول عنكم ، وعما تقولونه في حَقِّ سنته ، حيث قال : " يوشك رجل يتكئ على أريكته ، يُحدَّث بالحديث عني فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال حللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه " . ومعنى : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ … } [ لقمان : 11 ] أي : مخلوقاته { فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ … } [ لقمان : 11 ] ولن نطلب منك خَلْقاً كخَلْق السماء والأرض والجبال ، ولا إنزال المطر وإحياء الأرض بالنبات ، بل اخلقوا أقلّ شيء في الموجودات التي تروْنها ، وليس هناك أقل من الذباب : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ … } [ الحج : 73 ] بل وأبلغ من ذلك { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] . ثم يختم الحق سبحانه الآية بقوله : { بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ لقمان : 11 ] أي : ضلال محيط بهم من كل اتجاه ، والضلال المبين المحيط لا تُرْجى معه هداية ، فلن يهتدي هؤلاء ، وما عليك إلا أنْ تصبر على دعوتك يا محمد حتى يُبدلك الله خيراً من هؤلاء ، ويكونون لك جنوداً يؤمنون بك ، وينصرون دعوتك . وقد كان . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ … } .