Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 21-21)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة { مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ … } [ لقمان : 21 ] عامة تشمل كل الكتب المنزَّلة ، وأقرب شيء في معناها أن نقول : اتبعوا ما أنزل الله على رسلكم الذين آمنتم بهم ، ولو فعلتم ذلك لَسلَّمتم بصدق رسول الله وأقررتم برسالته . أو : يكون المعنى { ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ … } [ لقمان : 21 ] أي : تصحيحاً للأوضاع ، واعرضوه على عقولكم وتأملوه . لكن يأتي ردهم : بَلْ وبل تفيد إضرابهم عما أنزل الله { نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا … } [ لقمان : 21 ] وفي آية أخرى { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ … } [ البقرة : 170 ] . فما الفرق بين وجدنا و ألفينا وهما بمعنى واحد ؟ قالوا : لأن أعمار المخاطبين مختلفة في صُحْبة آبائهم والتأثر بهم ، فبعضهم عاش مع آبائه يُقلِّدهم فترة قصيرة ، وبعضهم عاصر الآباء فترة طويلة حتى أَلف ما هم عليه وعشقه لذلك قال القرآن مرة أَلْفيْنَا ومرة وَجَدْنَا . والاختلاف الثاني نلحظه في اختلاف تذييل الآيتين ، فمرة يقول : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة : 170 ] ومرة أخرى يقول : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ المائدة : 104 ] . فما الفرق بين : يعقلون ويعلمون ؟ الذي يعقل هو الذي يستطيع بعقله أنْ يستنبط الأشياء ، فإذا لم يكن لديه العقل الاستنباطي عرف المسألة ممَّنْ يستنبطها ، وعليه فالعلم أوسع دائرة من العقل لأن العقل يعلم ما عقله ، أما العلم فيعلم ما عقله هو وما عقله غيره ، فقوله يَعْلَمُونَ تشمل أيضاً يَعْقِلوُن . إذن : إذا نُفي العقل لا يُنفى العلم لأن غيرك يستنبط لك فالرجل الريفي البسيط يستطيع أن يدير التلفزيون مثلاً ويستفيد به ويتجول بين قنواته ، وهو لا يعرف شيئاً عن طبيعة عمل هذا الجهاز الذي بين يديه ، إنما تعلَّمه من الذي يعلمه ، فالإنسان يعلم ما يعقله بذاته ، ويعلم ما يعقله غيره ، ويؤديه إليه لذلك فنَفْي العلم دليل على الجهل المطبق الذي لا أملَ معه في إصلاح الحال . ونلحظ أيضاً أن القرآن يقول هنا : { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا … } [ لقمان : 21 ] ، وفي موضع آخر يقول : { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ … } [ المائدة : 104 ] فقولهم : نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فيه دلالة على إمكانية اتباعهم الحق ، فالإنكار هنا بسيط ، أما الذين قالوا { حَسْبُنَا … } [ المائدة : 104 ] يعني : يكفينا ولا نريد غيره ، فهو دلالة على شدة الإنكار لذلك في الأولى نفى عنهم العقل ، أما في الأخرى فنفى عنهم العلم ، فعَجُز الآيات يأتي مناسباً لصدرها . وهنا يقول تعالى في تذييل هذه الآية { أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ لقمان : 21 ] لأن آباءهم ما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه من عبادة الأصنام والكفر بالله إلا بوسوسة الشيطان ، فالشيطان قَدْر مشترك بينهم وبين آبائهم . وهذا يدلنا على أن منافذ الإغواء مرة تأتي من النفس ، ومرة تأتي من الشيطان ، وبهما يُطمس نور الإيمان ونور المنهج في نفس المؤمن . وسبق أنْ بيَّنا أنك تستطيع أن تفرق بين المعصية التي تأتيك من قِبَل الشيطان ، والتي تأتيك من قِبَل نفسك ، فالشيطان يريدك عاصياً على أيِّ وجه من الوجوه ، فإذا تأبيْتَ عليه في ناحية نقلك إلى ناحية أخرى . أما النفس فتريد معصية بعينها تقف عندها لا تتحول عنها ، فالنفس تميل إلى شيء بعينه ، ويصعب عليها أنْ تتوبَ منه ، ولكل نفس نقطة ضعف أو شهوة تفضلها لذلك بعض الناس لديهم كما قلنا طفاشات للنفوس لأنهم بالممارسة والتجربة يعرفون نقطة الضعف في الإنسان ويصلون إليه من خلالها ، فهذا مدخله كذا ، وهذا مدخله كذا . لكن نرى الكثيرين ممن يقعون في المعصية يُلْقون بالتبعة على الشيطان ، فيقول الواحد منهم : لقد أغواني الشيطان ، ولا يتهم نفسه ، وهذا يكذّبه الحديث النبوي في رمضان : " إذا جاء رمضان فُتِحت أبواب الجنة ، وغُلِّقت أبواب النار ، وصُفِّدت الشياطين " . فلو أن المعاصي كلها من قِبَل الشيطان ما رأينا معصية في رمضان ، ولا ارتكبت فيه جريمة ، أما وتقع فيه المعاصي وتُرتكب الجرائم ، فلا بُدَّ أن لها سبباً آخر غير الشيطان لأن الشياطين مُصفَّدة فيه مقيدة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ … } .