Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن بيَّن الحق سبحانه أن إليه مرجع كل شيء ونهاية الأمور كلها ، أراد أن يُسلِّى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : { وَمَن كَفَرَ … } [ لقمان : 23 ] أي : بعدما قلناه من الجدل بالعلم وبالهدى وبالكتاب المنير ، وبعدما بيناه من ضرورة إسلام الوجه لله ، مَنْ يكفر بعد ذلك { فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ … } [ لقمان : 23 ] . وهذا القول من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم يدل على أن الله علم أن رسوله يحب أن تكون أمته كلها مؤمنة ، وأنه يحزن لكفر من كفر منهم ويؤلمه ذلك ، وقد كرر القرآن هذا المعنى في عدة مواضع ، منها قوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] ويقول : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . فالله تعالى يريد أنْ يقول لرسوله : أنا أرسلتُك للبلاغ فحسب ، فإذا بلَّغْت فلا عليك بعد ذلك ، وكثيراً ما تجد في القرآن عتاباً لرسول الله في هذه المسألة ، وهو عتاب لصالحه لا عليه ، كما تعاتب ولدك الذي أجهد نفسه في المذاكرة خوفاً عليه . ومن ذلك قوله تعالى معاتباً نبيه صلى الله عليه وسلم : { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 1 - 3 ] . والعتاب هنا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الرجل المؤمن الذي جاءه يستفهم عن أمور دينه ، وذهب يدعو الكفار والمكذِّبين به ، فكأنه اختار الصعب الشاق وترك السهل اليسير ، إذن : فالعتاب هنا عتاب لصالح الرسول لا ضده ، كما يظن البعض في فهمهم لهذه الآيات . كذلك الأمر في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ … } [ التحريم : 1 ] فالله يعاتب رسوله لأنه ضيَّق على نفسه ، فحرَّم عليها ما أحله الله لها . ثم يقول سبحانه : { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ … } [ لقمان : 23 ] يعني : إذا لم تَرَ فيهم عاقبة كفرهم ، وما ينزل بهم في الدنيا ، فسوف يرجعون إلينا ونحاسبهم في الآخرة ، كما قال سبحانه في موضع آخر : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ … } [ غافر : 77 ] أي : ترى بعينك ما ينزل بهم من العقاب { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] . إذن : { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ … } [ لقمان : 23 ] هذه هي الغاية النهائية ، وهذه لا تمنع أن نُريَك فيهم أشياء تُظهِر عزتك وانتصارك عليهم ، وانكسارهم وذِلَّتهم أمامك ، وهذا ما حدث يوم الفتح يوم أنْ دخل النبي مكة منصراً ومتواضعاً يطأطئ رأسه بأدب وتواضع لأنه يعلم أن النصر من الله ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لأهل مكة : لقد كنتم تريدون الملْك لتتكبروا به ، وأنا أريده لأتواضع به ، وهذا هو الفرق بين عزَّة المؤمن وعِزّة الكافر . لذلك لما تمكن رسول الله من رقابهم - بعد أنْ فعلوا به ما فعلوا - جمعهم وقال قولته المشهورة : " يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " . ولك أنْ تلحظ تحوُّل الأسلوب من صيغة الإفراد في { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ … } [ لقمان : 23 ] إلى صيغة الجمع في { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ … } [ لقمان : 23 ] ولم يقل : إليَّ مرجعه لأن مَنْ في اللغة تقوم مقام الأسماء الموصولة كلها ، فإنْ أردتَ لفظها فأفردها ، وإن أردتَ معناها فاجمعه . وقوله تعالى : { فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ … } [ لقمان : 23 ] لأننا نُسجِّله عليهم ونحصيه ، كما قال سبحانه : { أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ … } [ المجادلة : 6 ] { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ لقمان : 23 ] أي : بنات الصدر ومكنوناته يعلمها الله ، حتى قبل أنْ تُترجم إلى نزوع سلوكي عملي أو قَوْلي ، فالله يعلم ما يختلج في صدورهم من حقد أو غلٍّ أو حسد أو تآمر . و { عَلِيمٌ … } [ آل عمران : 119 ] صيغة مبالغة من العلم ، وفَرْق بين عالم وعليم : عالم : ذاتٌ ثبت لها العلم ، أما عليم فذات عِلْمها ذاتي لذلك يقول تعالى : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ … } .