Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 24-24)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه يُبيِّن لكل مؤمن ألاَّ يغتر بحال الكفار حين يراهم في حال رَغَد من العيش ، وسعة وعافية وتمكُّن لأن ذلك كله متاع قليل ، والحق سبحانه يريد من أتباع الأنبياء أنْ يدخلوا الدين على أنه تضحية لا مغنم . وسبق أن أوضحنا أنك تستطيع أن تُفرِّق بين مبدأ الحق ومبدأ الباطل بشيء واحد ، هو استهلال الاثنين ، فالداخل في مبدأ الحق مستعد لأنْ يُضحِّي ، والداخل في مبدأ الباطل ينتظر أنْ يأخذ المقابل لذلك ضحَّى المسلمون الأوائل في سبيل دينهم بالأنفس والأموال ، وتركوا بلادهم وأبناءهم لماذا ؟ لأنهم مُكلَّفون بأداء مهمة إنسانية عالمية ، لا يحملها إلا مَنْ كان مستعداً للعطاء ، أما أصحاب الدعوات الباطلة كالشيوعية وغيرها فلا بُدَّ أنْ يأخذوا أولاً . لذلك رُوِي أن صحابياً حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم البشرى بالجنة ، وأنه ليس بينه وبينها إلا أنْ يحارب فيُقتل ألقى تمرات كانت في يده ، ولم ينتظر حتى يمضغها ، وأسرع إلى المعركة مُبتغياً الشهادة وطامعاً فيما عند الله ، وقد سُمع منهم في ساحة القتال أنْ ينادي أحدهم : هُبِّي يا رياح الجنة ، وآخر يقول : إني لأجد ريح الجنة دون أُحُد . فقوله تعالى : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] هذا التمتُّع بزينة الحياة الدنيا ما هو إلا استدراج لهم لا تكريم ، وقلنا : إنك لا تلقى بعدوك من على الحصيرة مثلاً ، إنما تعليه وترفعه ليكون أَخْذه أليماً وشديداً ، كذلك الحق سبحانه يُمتِّعهم ، لكن لفترة محدودة لتكون حسرتهم أعظم إذا ما أخذهم من هذا النعيم . واقرأ في هذا المعنى قول الله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] أي : يائسون . وكلمة الفتح لا تؤدي نفعاً إلا إذا جاءت معرفة الفتح وقلنا : هناك فرق بين فتح لك وفتح عليك ، فتح لك أي : لصالحك ، أمّا فتح عليك أي : أعطاك الدنيا لتكون حِمْلاً فوق رأسك . إذن : فإذا رأيتَ لهم هذا الفتح فلا تغترّ به ، واعلم انهم نَسُوا ما ذُكِّروا به . وقد ورد في الأثر أن الله تعالى إذا غضب من المرء رزقه من الحرام ، فإذا اشتد غضبه عليه بارك له فيه . ذلك ليظل في سَعَة ورَغَد عيش وعُلو مكان ، حتى إذا أخذه الله آلمه الأخذ واشتد عليه ، فأخْذُ الكافر وهو في أَوْج قوته وجبروته يدل على قوة الأَخْذ وقدرته ، أما الضعيف فلا مزيّة في أَخْذه ، كالذي يريد أنْ يحطم الرقم القياسي مثلاً ، فإنه يعمد إلى أعلى الأرقام فيحطمها ليثبت جدارته . ومن ذلك أيضاً نرى أن القرآن لما أراد التحدي ببلاغته وفصاحته تحدَّى العرب ، وهم أهل الفصاحة والبلاغة وفن الأداء البياني ، ولا معنى لأنْ يتحدى عَيّياً لا يقدر على الكلام . ومعنى { نَضْطَرُّهُمْ … } [ لقمان : 24 ] نلجئهم أي : نُضيِّق عليهم الخناق ، بحيث لا يجدون إلا العذابَ الغليظ ، أو : أن فترة الحساب وما قبل العذاب أشدّ من العذاب نفسه ، كما جاء في الحديث من " أن الشمس تدنو من الرؤوس ، حتى ليتمنى الناسُ الانصرافَ ولو إلى النار " . ووصف العذاب هنا بأنه { غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] والغِلظ يعني السُّمْك ، فالمعنى أنه عذاب كبير يصعب قلقلة النفس منه ، فلو كان رقيقاً لربما أمكن الإفلات منه . ثم يعود السياق إليهم : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ … } .