Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حين نتأمل هذه الآيات نلمس رحمة الله بعباده حتى الكافر منهم الذي ضلَّ وأضلَّ ، ومع ذلك فالله رحيم به حتى في تناول عذابهم ، ألا ترى أن الله تعالى قال في عذابهم أنه مهين ، وأنه أليم ، لكن لم يذكر معه خلوداً كما ذكر هنا الخلود لنعيم الجنات ، كما أن العذاب جاء بصيغة المفرد ، أما الجنة فجاءت بصيغة الجمع ، ثم أخبر عنها أنها { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } [ لقمان : 9 ] . والوعد يستخدم دائماً لِعَدةٍ بخير يأتيك ، وقلنا : إن العبد يِعد وقد لا يفي بوعده لأنه لا يملك كل مُقوِّمات الوفاء ، أما الوعد إنْ كان من الله فهو محقق لأنه سبحانه يملك كل أسباب الوفاء ، ولا يمنعه أحد عن تحقيق ما أراد لأنه سبحانه يملك كل أسباب الوفاء ، ولا يمنعه أحد عن تحقيق ما أراد لأنه سبحانه ليس له شريك ، كالرجل الذي أراد أنْ يذم آخر فقال له : الدليل على أن الله ليس له شريك أنه خلقك ، فلو كان له شريك لقال له : لا داعي لأنْ تخلق هذا . لذلك يعلمنا الحق - سبحانه وتعالى - أنْ نردف وَعْدنا بقولنا : إن شاء الله حتى نكون منصفين لأنفسنا من الناس ، ولا نُتهم بالكذب إذا لم نَفِ ، وعندها لي أن أقول : أردت ولكن الله لم يُرِد ، فجعلت المسألة في ساحة ربك عز وجل . وبهذه المشيئة رحم الله الناس من ألسنة الناس ، فإذا كلفتني بشيء فلم أقضه لك فاعلم أن له قدراً عند الله لم يأتِ وقته بعد ، واعلم أن الأمر لا يُقْضي في الأرض حتى يُقْضي في السماء ، فلا تغضب ولا تتحامل على الناس ، فالأمور ليست بإرادة الناس ، وإنما بإرادة الله . لذلك حين تتوسط لأخيك في قضاء مصلحة وتُقْضي على يديك ، المؤمن الحق الذي يؤمن بقدر الله يتأدب مع الله فيقول : قُضِيْتْ معي لا بي ، يعني : شاء الله أنْ يقضيها فأكرمني أن أتكلم فيها وقت مشيئته تعالى ، كذلك يقول الطبيب المؤمن : جاء الشفاء عندي لا بي . ولو فهم الناس معنى قدر الله لاستراحوا ، فحين ترى المجدّ العامل يُقْصي ويُبعد ، وحين ترى الخامل والمنافق يُقرّب ويعتلي أرفع المناصب فلا تغضب ، وإذا لم تحترمه لذاته فاحترم قدر الله فيه . فالمسائل لا تجري في كَوْن الله بحركة ميكانيكية ، إنما بقدر الله الذي يرفع مَنْ يشاء ويضع مَنْ يشاء ، وله سبحانه الحكمة البالغة في هذه وتلك ، وإلا لقلنا كما يقول الفلاسفة : إن الله تعالى خلق القضايا الكونية ثم تركها للناس يُسيِّرونها . والحق سبحانه ما ترك هذه القضايا ، بدليل قوله تعالى : { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } [ الشورى : 49 - 50 ] . فبعد هذه الآية لا يقل أحد : إن فلاناً لا ينجب أو فلانه لا تنجب لأن هذه مرادات عليا لله تعالى ، ولو أن العقيم احترم قَدَر الله في العقم لجعل الله كل مَنْ يراهم من الأولاد أولاده ، وما دام الله تعالى قال { يَهَبُ } [ الشورى : 49 ] فالمسألة في كل حالاتها هبة من الله تعالى لا دَخْلَ لأحد في الذكورة أو الأنوثة أو العقم . فلماذا - إذن - قبلتَ هبة الله في الذكور ، ولم تقبل هبة الله في العقم ؟ وسبق أن تحدثنا عن وَأْد البنات قبل الإسلام لأن البنت كانت لا تركب الخيل ، ولا تدافع عن قومها ، ولا تحمل السلاح … إلخ ، فلما جاء الإسلام حرم ذلك وكرَّم المرأة ، وأعلى من شأنها ، لكن ما زالت المفاضلة قائمة بين الولد والبنت . والآن احتدم صراع مفتعل بين أنصار الرجل وأنصار المرأة ، والإسلام بريء من هذا الصراع لأن الرجل والمرأة في الإسلام متكاملان لا متضادان ، وعجيب أنْ نرى من النساء مَنْ تتعصب ضد الرجال وهي تُجَنّ إنْ لم تنجب الولد ، وهذه شهادة منهن بأفضليته . وكأن الحق - تبارك وتعالى - يعلمنا أن مَنْ يحترم قدره في إنجاب البنات يقول الله له : لقد احترمتَ قدري فسوف أعطيك على قدرْي ، فيعطيه الله البنين ، أو يُيسِّر لبناته أزواجاً يكونون أبرَّ به من أولاده وأطوع . ثم أَلاَ ترى أن الله تعالى قدم البنات ، في الهبة ، فقال : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] لماذا ؟ لأنه سبحانه يعلم محبة الناس للذكور : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } [ النحل : 58 - 59 ] . وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ لقمان : 9 ] العزيز الذي لا يغلب ، ولا يستشير أحداً فيما يفعل { ٱلْحَكِيمُ } [ لقمان : 9 ] أي : حين يعِد ، وحين يفي بالوعد . ثم تنتقل الآيات إلى دليل من أدلة الإيمان الفطري بوجود الإله : { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ … } .