Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 11-11)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تلحظ هنا أنهم يتكلمون عن البعث { وَقَالُوۤاْ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] ومعلوم أن البعث إيجاد حياة ، فإذا بالقرآن يُحدِّثهم عن الوفاة ، وهي نقْضٌ للحياة ، ليُذكِّرهم بهذه الحقيقة . ومعنى { يَتَوَفَّاكُم … } [ السجدة : 11 ] من توفيت دَيْناً من المدين . أي : أخذتهُ كاملاً غيرَ منقوص ، والمراد هنا الموت ، والتوفِّي يُنسَب مرة إلى الله عز وجل : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] ويُنسَب لملك الموت { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ … } [ السجدة : 11 ] ويُنسب إلى أعوانه من الملائكة { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } [ الأنعام : 61 ] . لأن مسألة الموت أمرها الأعلى بيد الخالق سبحانه ، فهو وحده واهب الحياة ، وهو وحده صاحب الأمر في نَقْضها وسَلْبها من صاحبها لذلك حرَّم الله القتل ، وجعل القاتل ملعوناً لأنه يهدم بنيان الله ، فإذا قدَّر الله على إنسان الموت إذِن لملَك الموت في ذلك ، وهو عزرائيل . إذن : هذه المسألة لها مراحل ثلاث : التوفِّي من الله يأمر به عزرائيل ، ثم يأمر عزرائيلُ ملائكته الموكَّلين بهذه المسألة ، ثم ينفذ الملائكةُ هذا الأمر . وتأمل لفظة { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا … } [ الأنعام : 61 ] أي : أخذتْه كاملاً ، فلم يقُلْ : أعدمتُه مثلاً لذلك نقول قُبضت روحه أي : ذهبتْ إلى حيث كانت قبل أن تُنفخ فيه ، ذهبت إلى الملأ الأعلى ، ثم تحلَّل الجسد وعاد إلى أصله ، وذاب في الأرض ، جزئية هنا وجزئية هناك ، كما قالوا : { أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] . فالذي يُتوفَّى لم يُعدم ، إنما هو موجود وجوداً كاملاً ، روحه وجسده ، والله قادر على إعادته يوم القيامة لذلك لم يقُلْ أعدمنا . وهذه المسألة تحلُّ لنا إشكالاً في قصة سيدنا عيسى - عليه السلام - فقد قال الله فيه : { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ … } [ آل عمران : 55 ] . فالبعض يقول : إنه عليه السلام تُوفِّي أولاً ، ثم رفعه الله إليه . والصواب أن واو العطف هنا تفيد مطلق الجمع ، فلا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً ، واقرأ إنْ شئتَ قول الحق سبحانه وتعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ … } [ الأحزاب : 7 ] . والخطاب هنا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ونوح عليه السلام قبله . فالمعنى هنا أن الله تعالى قدَّم الوفاة على الرفع ، حتى لا يظن أحد أن عيسى - عليه السلام - تبرأ من الوفاة ، فقدَّم الشيء الذي فيه شكٌّ أو جدال ، وما دام قد توفّاه الله فقد أخذه كاملاً غير منقوص ، وهذا يعني أنه لم يُصْلَب ولم يُقتل ، إنما رفعه الله إليه كاملاً . وقوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ … } [ السجدة : 11 ] جاءت ردّا على قولهم : { أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] فالحق الذي قال أنا خلقتُ الإنسان لم يقُلْ وأنا سأعدمه إنما سأتوفاه ، فهو عندي كاملٌ بروحه وبذراته التكوينية ، والذي خلق في البَدْء قادر على الإعادة ، وجمع الذرات التي تشتتت . وقوله عن ملك الموت { ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ … } [ السجدة : 11 ] أي : يرقبكم ولا يغفل عنكم ، يلازمكم ولا ينصرف عنكم ، بحيث لا مهربَ منه ولا فكَاك ، كما قال أهل المعرفة : الموت سهم انطلق إليك فعلاً ، وعمرك بمقدار سفره إليك ، فهو واقع لا محالة . كما قلنا في المصيبة وأنها ما سُمّيت مصيبة إلا أنها ستصيبك لا محالة . وقوله : { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ السجدة : 11 ] أي : يوم القيامة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ … } .