Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 18-18)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أولاً : نلحظ في اللفظ أن مؤمناً وفاسقاً جاءت بصيغة المفرد ، فكان القياس أنْ نقول : لا يستويان ، إنما سياق القرآن { لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] وسبق أنْ قُلْنا : إن من وما الموصولتين تأتي للمفرد أو للمثنى أو للجمع ، وللمذكر وللمؤنث ، فمرة يراعي السياق لفظها ، ومرة يراعى معناها . والمعنى هنا { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً } [ السجدة : 18 ] الحق سبحانه لا يتكلم عن المفرد ، إنما عن الجمع ، أو أنها قيلت رداً لحالة مخصوصة بين مؤمن وكافر وأراد الحق سبحانه أن يعطيها العموم لا خصوص السبب ، فراعى السياق خصوص السبب في مؤمن وكافر ، وراعى عموم الموضوع فقال { لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] والقاعدة الفقهية تقول : إن العبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقيل : إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين جادل علياً رضي الله عنه . فقال له : أنا أشبُّ منك شباباًً ، وأجلد منك جَلَداً ، وأذرب منك لساناً ، وأحدُّ منك سناناً ، وأشجع منك وجداناً ، وأكثر منك مَرَقاً ، فردَّ عليه عليٌّ - كرَّم الله وجهه - بما يدحض هذا كله ويبطله ، فقال له : اسكت يا فاسق ، ولا موهبة لفاسق . والمعنى : إنْ كنت كما تقول فقد ضيعتَ هذا كله بفسقك ، حيث استعملتَ قوة شبابك وجَلَدك وذَرَب لسانك وشجاعة وجدانك في الباطل وفي المعصية ، وفي الصدِّ عن سبيل الله . وهكذا جمعتْ الآية بين خصوصية هذا السبب في { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً … } [ السجدة : 18 ] وبين عموم الموضوع في { لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] ، فهذا الحكم ينسحب على الجمع أيضاً . وجاء قوله تعالى : { لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] كأنه جواب للسؤال { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً … } [ السجدة : 18 ] لكن ، لماذا لم يأتِ الجواب مثلاً : لا يستوي المؤمن والفاسق ؟ قالوا : لأن هذا الأسلوب يسمى أسلوب الإقناع التأكيدي ، وهو أن تجعل الخصم هو الذي ينطق بالحكم . كما لو قال لك صديق : لقد مررتُ بأزمة ولم تقف بجانبي . فتستطيع أنْ تقول له : وقفتُ بجانبك يوم كذا ويوم كذا - على سبيل الخبر منك ، لكن الإخبار منك يحتمل الصدق ويحتمل الكذب ، فتلجأ إلى أسلوب آخر لا يستطيع معه الإنكار ، ولا يملك إلا الاعتراف لك بالجميل فتقول بصيغة السؤال : ألم أقدم لك كذا وكذا يوم كذا وكذا ؟ وأنت لا تسأله إلا إذا وثقتَ بأن جوابه لا بُدَّ أنْ يأتي وَفْق مرادك وعندها يكون كلامه حجة عليه . لذلك طرح الحق سبحانه هذه المسألة في صورة سؤال : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً … } [ السجدة : 18 ] ولا بد أن نقول نحن في جواب هذا السؤال : لا يستوي مؤمن وفاسق ، ومَنْ يقُلْ بهذا فقد وافق مراد ربه . وما دام أن المؤمن لا يستوي والفاسق ، فلكل منهما جزاء يناسبه : { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .