Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وإنْ كانت لفظة مؤمن جاءت مفردة ، فقد أوضحتْ هذه الآية أن المراد الجمع { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ السجدة : 19 ] أي : العموم لأنه أُخِذ مما كان مفرداً جمعاً ، وهذا دليل على أن هذا المفرد في جنسه جمع كثير ، كما في قوله تعالى { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 1 - 2 ] فالإنسان مفرد يُستثنى منه الجمع { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ العصر : 3 ] لأن لفظة الإنسان هنا تدل على الجماعة ، و ال فيها ال الاستغراقية . فالحق سبحانه ينقلنا من المؤمن إلى العموم { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ السجدة : 19 ] ومن الفاسق إلى { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ … } [ السجدة : 20 ] فهما جماعتان متقابلتان لكل منهما جزاؤه الذي يناسبه : { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ … } [ السجدة : 19 ] والمأوى هو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويلجأ إليه ليحفظه من كل مكروه ، كما قال تعالى في شأن عيسى وأمه مريم عليهما السلام : { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } [ المؤمنون : 50 ] يعني : يمكنهما الاستقرار فيها لأن بها مُقوِّمات الحياة ومعين يعني : عيْن ماء . ومن ذلك قوله تعالى في قصة ابن نوح حين قال لأبيه : { سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ … } [ هود : 43 ] فنبَّهه أبوه وحذره ، فقال : { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ … } [ هود : 43 ] . ونلحظ في هذه القصة حنان الأبوة من سيدنا نوح حين قال { رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي … } [ هود : 45 ] لكن ربه عز وجل لا يتركه على هذه القضية ، إنما يُصحِّحها له { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … } [ هود : 46 ] . إذن : فالبنوة هنا ليست بنوة نسب ، إنما بنوة إيمان وعمل ، أَلاَ ترى أن سيدنا رسول الله قال لسلمان الفارسي وهو من غير العرب بالمرة : " سلمان منا آل البيت " . وإنْ كان النسب ينفع من الآباء إلى الأبناء ، فهذه ليست خصوصية للأنبياء ، إنما لكل الناس ، كما قال سبحانه : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ … } [ الطور : 21 ] . وإلحاق الأبناء بالآباء في الحقيقة كرامة للآباء أنْ يجدوا أولادهم معهم في الجنة جزاء إيمان الآباء وعملهم الصالح ، فإنْ كان الأولاد دون سِنِّ التكليف فطبيعي أنْ يلحقوا بالآباء ، بل وتكون منزلتهم أعظم من منزلة آبائهم لأن الأطفال الذين يموتون قبل الرُّشْد ليس لهم أماكن محددة ، إنما ينطلقون في الجنة يمرحون فيها كما يشاؤون . وقد مثَّلنا لذلك بالولد الصغير تأخذه معك في زيارة أحد الأصدقاء ، فتجلس أنت في حجرة الجلوس ، بينما الولد الصغير يجري في أنحاء البيت ، ويدخل أي مكان فيه لا يمنعه أحد ، لذلك يسمون الأطفال دعاميص الجنة . والبعض هنا يثير مسألة أن الإنسان مرتهن بعمله ، ولا ينتفع بعمل غيره ، فكلٌّ مُعلَّق من عرقوبه كما نقول ، فالبعض يسأل : لماذا إذاً نصلى على الميت ، والصلاة عليه ليست من عمله ؟ فإنْ كانت الصلاة عليه لها فائدة تعود عليه فقد انتفع بغير عمله ، وإن لم تكُنْ لها فائدة فهي عبث ، وحاشَ لله أنْ يضع تشريعاً عبثاً . ونقول : هل صليت على كل ميت مؤمناً كان أو كافراً ؟ لا إنما نصلي على المؤمن ، إذن : صلاتك أنت عليه نتيجة إيمانه ، وجزء من عمله ، ولولا إيمانه ما صلَّينا عليه . نعود إلى معنى كلمة المأوى ، فالجنة مأوى المؤمن ، تحفظه من النار وأهوالها { نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 19 ] أي : جزاء عملهم الصالح ، والنزُل هو المكان المعَدّ لينزل فيه الضيف الطارئ عليك لذلك يسمون الفندق نُزُل ، فإذا كانت الفنادق الفاخرة التي نراها الآن ما أعَدَّه البشر للبشر ، فما بالك بما أعدَّهُ ربُّ البشر لعباده الصالحين ؟