Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 28-28)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
متى يُستفهم بها عن الزمان ، والاستفهام بها يدل على أنك استبطأت الشيء فاستفهمتَ : متى يحدث ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم حين بُعِث أخبر قومه أنه مُرْسَل إليهم بمنهج من الله ، وقد أيده الله بالمعجزات ، وأخبرهم بمصير مَن اتبعه ومصير مَنْ خالفه ، وأن ربه - عز وجل - ما كان ليرسله إليهم ، ثم يُسلْمه أو يتخلى عنه ، فهو لا بُدَّ منتصر عليهم ، فهذه سنة الله في أنبيائه ورسله ، حيث قال سبحانه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . لذلك قلنا : إذا رأيت موقفاً لم ينتصر فيه المسلمون ، حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة ، فاعلم أن الجندية عندهم قد اختلتْ شروطها ، فلم يكونوا في حال الهزيمة جنوداً لله متجردين . وحين نتأمل الأحداث في أحُد نجد أن الله تعالى يقول للمسلمين : لا تظنوا أن وجود رسول الله بينكم يحميكم أو يُخرِجكم عن هذه القضية ، فهذه سنة الله في كونه لا تتبدل . ففي أُحُد خالف المسلمون أوامر رسول الله ، حين نزل الرماة وتركوا أماكنهم طمعاً في الغنائم ، فالتفَّ عليهم المشركون ، وكانت النتيجة لا نقول انهزموا إنما هم لم ينتصروا لأن المعركة ماعت والرسول موجود بينهم . والبعض يرى في هذه النتيجة التي انتهتْ إليها الحرب في أُحُد مأْخذاً ، فيقول : كيف يُهزم جيش يقوده رسول الله ؟ وهذه المسألة تُحسَب للرسول لا عليه ، فالرسول لن يعيش بينهم دائماً ، ولا بُدَّ لهم أن يروْا بأعينهم عاقبة مخالفتهم لأمر رسول الله ، وأنْ يشعروا بقداسة هذه الأوامر ، ولو أنهم انتصروا مع المخالفة لفقدوا الثقة في أوامر رسول الله بعد ذلك ، ولِمَ لا وقد خالفوه في أُحُد وانتصروا ! ! كذلك في يوم حنين الذي قال الله فيه : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ … } [ التوبة : 25 ] . وكان من إعجاب المؤمنين بكثرتهم أن يقول أبو بكر نفسه : لن نُغْلَب اليوم عن قلة ، لذلك لقَّنهم الله تعالى درساً ، وكادوا أنْ يُهزموا ، لولا أن الله تداركهم في النهاية برحمته ، وتحوَّلت كفَّة الحرب لصالحهم ، وكأن التأديب جاء على قدر المخالفة . فالحق سبحانه يُعلِّمنا امتثال أمره ، وأنْ نخلص في الجندية لله سبحانه ، وأن ننضبط فيها لنصل إلى الغاية منها ، فإنْ خالفنا حُرِمْنا هذه الغاية لأنني لو أعطيتُك الغاية مع المخالفة لما أصبح لحكَمي مكان احترام ولا توقير . وهنا يحكي الحق - تبارك وتعالى - عن المشركين قولهم لرسول الله : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ … } [ السجدة : 28 ] أي : النصر الذي وعدكم الله به ، وقد كان هذا النصر غاية بعيدة المنال أمام المؤمنين ، فما زالوا قلَّة مُستْضعفة . لذلك لما نزل قول الله تعالى : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] تعجب عمر حتى قال : أيُّ جمع هذا ، ونحن لا نستطيع أنْ نحمي أنفسنا ؟ لكن الحق سبحانه لم يُطِل عليهم هذا الوضع ، وسرعان ما جاءتْ بدر ، ورأى عمر بعينه كيف تحقَّق وعد الله ، وكيف هُزِم جَمْع المشركين ، ورددها بنفسه بعد المعركة : نعم يا رب ، سَيُهزم الجمع ويولون الدبر . ومن العجيب أنْ يدل رسول الله على الكفار وعلى أصحابه وأنصاره بفيض الله عليه ، وأنه أخبره بنتيجة المعركة قبل حدوثها ، فيقف صلى الله عليه وسلم في أرض بدر ، ويشير بعصا في يده إلى مصارع المشركين : هذا مصرع أبي جهل ، وهذا مصرع عتبة ، وهذا مصرع الوليد … إلخ . فمَنْ يستطيع أنْ يحدد نتيجة معركة بهذا التفصيل ، والمعركة أَخْذٌ وردّ وكرّ وفرّ واختلاط ، مع أنهم لم يخرجوا لحرب ، إنما خرجوا لملاقاة قافلة قريش التجارية ، فما بالك لو خرجوا على حال استعداد للحرب ، وهذه سيأخذها الكفار قياساً يقيسون عليه قوة المسلمين الوليدة ، وسيقذف الله بهذه النتيجة الرعب في قلوب الكفار ، ولم لا وقد انتصرتْ القلة المستضعفة غير المجهزة علة الكثرة المتعجرفة المستعدة للحرب . والاستفهام هنا { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ … } [ السجدة : 28 ] ليس استفهاماً على حقيقته ، إنما يراد به الاستهزاء والسخرية ، وجواب الله على هذا الاستفهام يحدد نيتهم منه ، فهم يستبعدون هذا النصر وهذه الغلبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين ، لكنهم يستبعدون قريباً ، ويستعلجون أمراً آتياً لا ريب فيه . وقد سجَّل القرآن عليهم مثل هذا الموقف في قوله تعالى حكايةً عن الكفار يقولون لرسولهم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأعراف : 70 ] . كلمة الفتح إنْ جاءت مُعرَّفة بأل فخيرها مضمون ، فاعلم أنها نعمة محروسة لك سينالك نفعها ، فإنْ جاءت نكرة فلا بُدَّ لها من متعلق يوضح الغاية منها : أهذا الفتح لك أم عليك فقوله تعالى في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [ الفتح : 1 ] دلَّ على أن هذا الفتح لصالحه صلى الله عليه وسلم ، فهو غُنْم لا غُرْم ، كما يقولون في حسابات البنوك : له وعليه . أما الأخرى ، ففي قوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ … } [ الأنعام : 44 ] . إذن : تنبَّه لما يفتحه الله عليك ولا تغتَرَّ به ، وتأمَّل : أهو لك أم عليك ؟ وإياك أنْ تُطغيك النعمة إذا زهزهتْ لك الدنيا ، فلعلها استدراج وأنت لا تدري ، فالفتح يحتمل المعنيين ، واقرأ إنْ شئتَ : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأعراف : 96 ] أي : احذروا هذه النعمة لا تطغيكم . وكلمة الفتح تأتي بمعانٍ متعددة ، يحددها السياق ، كما قلنا في كلمة العين ، فتأتي بمعنى العين الباصرة . تقول : رأيت فلاناً بعيني ، وتقول : جُدْت على فلان بعيْن مني أي : بالذهب أو الفضة ، وتقول : سمحتُ له أنْ يروي أرضه من عيني أي : عين الماء ، وتقول : هؤلاء عيون فلان أي : جواسيسه . وهذا يسمونه : المشترك اللفظي . وكلمة الفتح تستخدم أولاً في الأمر المادي ، تقول : فتحتُ الباب أي : أزلت مغاليقه ، وهذا هو الأصل في معنى الفتح . فالحق سبحانه يقول في قصة سيدنا يوسف عليه السلام : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ … } [ يوسف : 65 ] ففتحوا متاعهم الفتح المادي الذي يزيل عنه الأربطة . وقد يُراد الفتح المعنوي ، كما في قول الله تعالى : { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ … } [ البقرة : 76 ] أي : بما أعطاكم الله ومنحكم من الخير ومن العلم . ويأتي الفتح بمعنى إظهار الحق في الحكم بين حق وباطل وتجلية الأمر فيه لذلك يسمى أهل ُ اليمن القاضي الفاتح . ويأتي بمعنى النصر والغلبة ، كما في هذه الآية التي معنا : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ السجدة : 28 ] ولا بد أنْ يقول المؤمنون في إجابة هذا السؤال : نحن لا نقول أننا صادقون أو كاذبون في هذا الخبر لأن هذه مسألة بعيدة عنا ، ولا دخْلَ لنا بها ، إنما هي من الله الذي أخبرنا هذا الخبر ، فنحن لا نُوصَف فيه ، لا بصدق ولا بكذب . ولكي يكون الإنسان عادلاً ينبغي أنْ ينسب الفعل إلى فاعله ، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر قومه خبر إسرائه قال : " لقد أُسْرِي بي الليلة من مكة إلى بيت المقدس " ولم يقل سريت ومع ذلك سأله القوم : أتدَّعي أنك أتيتها في ليلة ، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً ؟ وهذه مغالطة منهم ، لا عدم فهم لمقالة رسول الله لأنهم أمة كلام ، ويفهمون جيداً معاني الألفاظ . إذن : رسول الله ما سَرَى بذاته ، إنما أَسْرى الله به ، فمَنْ أراد أن يبحث هذه المسألة فليبحثها في ضوء قدرة الله ، وكيف يكون الزمن بالنسبة لله تعالى ، وقلنا : إن الفعل الذي يستغرق زمناً هو الفعل العلاجي ، إنما ربنا - تبارك وتعالى - لا يعالج الأفعال ، فقط يقول كُنْ فيكون ، والفعل يتناسب مع زمنه تناسباً عكسياً ، فكلما زادت قوة الفاعل قَلَّ زمن الفعل . وعليه لو نسبتَ حادثة الإسراء إلى قوة الحق تبارك وتعالى لوجدتَ الزمن لا زمن . ثم يجيب الحق تبارك وتعالى عن سؤالهم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ … } [ السجدة : 28 ] بما يفيد أنه سؤال استبعاد واستهزاء ، فيقول سبحانه : { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ … } .