Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 5-5)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في هذه الآية ردٌّ على الفلاسفة الذين قالوا بأن الله تعالى قادر وخالق ، لكنه سبحانه زاول سلطانه في مُلْكه مرة واحدة ، فخلق النواميس ، وخلق القوانين ، ثم تركها تعمل في إدارة هذا الكون ، ونقول : لا بل هو سبحانه { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ … } [ السجدة : 5 ] أي : أمْر الخَلْق ، وهو سبحانه قيُّوم عليه . وإلا فما معنى { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ … } [ البقرة : 255 ] إن قُلْنا بصحة ما تقولون ؟ بل هو سبحانه خلق الكون ، ويُدبِّر شئونه على عينه عز وجل ، والدليل على قيوميته تعالى على خَلْقه أنه خلق الأسباب على رتابة خاصة ، فإذا أراد سبحانه خَرْق هذه الرتابة بشواذ تخرج عن القوانين المعروفة كما خرق لإبراهيم - عليه السلام - قانون الإحراق ، وكما خرق لموسى - عليه السلام - قانون سيولة الماء ، ومسألة خَرْق القوانين في الكون دليل على قيوميته تعالى ، ودليل على أن أمر الخَلْق ما يزال في يده سبحانه . ولو أن المسألة كما يقول الفلاسفة لكان الكون مثل المنبه حين تضبطه ثم تتركه ليعمل هو من تلقاء نفسه ، ولو كان الأمر كذلك لانطفأتْ النار التي أُلقِي فيها إبراهيم عليه السلام مثلاً . لذلك لما سُئِل أحد العارفين عن قوله تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] ما شأن ربك الآن ، وقد صحَّ أن القلم قد جفَّ ؟ قال : أمور يبديها ولا يبتديها ، يرفع أقواماً ويضع آخرين . إذن : مسألة الخَلْق إبداء لا ابتداء ، فأمور الخَلْق مُعدَّة جاهزة مُسْبقاً ، تنتظر الأمر من الله لها بالظهور . وقلنا هذا المعنى في تفسير قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] فكلمة { يَقُولَ لَهُ … } [ يس : 82 ] تدل على أن هذا الشيء موجود بالفعل ينتظر أنْ يقول الله له : اظهر إلى حيِّز الوجود . فالحق سبحانه { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ … } [ السجدة : 5 ] ثم تعود إليه سبحانه النتائج { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ … } [ السجدة : 5 ] فالله سبحانه يرسل إلى الأرض ، ثم يستقبل منها لأن المدبِّرات أمراً من الملائكة لكل منهم عمله واختصاصه ، وهذه المسألة نسميها في عالمنا عملية المتابعة عند البشر ، فرئيس العمل يكلف مجموعة من موظفيه بالعمل ، ثم لا يتركهم إنما يتابعهم ليستقيم العمل ، بل ويحاسبهم كلاً بما يستحق . والملائكة هي التي تعرج بالنتائج إليه سبحانه { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ السجدة : 5 ] فالعود سيكون للملائكة ، وخَطْو الملائكة ليس كخَطْوِك لذلك الذي يعمله البشر في ألف سنة تعمله الملائكة في يوم . ومثال ذلك ما قرأناه في قصة سليمان - عليه السلام - حين قال : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [ النمل : 38 ] . وهذا الطلب من سليمان - عليه السلام - كان على ملأ من الإنس والجن ، لكن لم يتكلم بشريٌّ ، ولم يتصدَّ أحد منهم لهذا العمل ، إنما تصدّى له عفريت ، وليس جِنِّياً عادياً ، والعفريت جنى ماهر له قدراته الخاصة ، وإلا ففي الجن أيضاً من هو لبخة لا يجيد مثل هذه المهام ، كما في الإنسان تماماً . قال العفريت : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ … } [ النمل : 39 ] وهذا يعني أنه سيستغرق وقتاً ، ساعة أو ساعتين ، أما الذي عنده علم من الكتاب فقال : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ … } [ النمل : 40 ] يعني : في طرفة عين لما عنده من العلم لذلك لما رأى سليمانُ العرشَ مستقراً عنده في لمح البصر ، قال : { قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ … } [ النمل : 40 ] . إذن : الفعل يستغرق من الزمن على قدْر قوة الفاعل ، فكلما زادتْ القوة قَلَّ الزمن ، وقد أوضحنا هذه المسألة في كلامنا على الإسراء والمعراج . ومعنى : { مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ السجدة : 5 ] أي : من سنينكم أنتم . ثم يقول الحق سبحانه : { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ … } .