Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-28)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لسائل أنْ يسأل : ما سِرُّ هذه النقلة الكبيرة من الكلام عن حرب الأحزاب وحرب بني قريظة إلى هذا التوجيه لزوجاته صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : لأن مسألة الأحزاب انتهتْ بقوله تعالى : { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا … } [ الأحزاب : 27 ] فربما طلبت زوجات الرسول أنْ يُمتِّعهن وينفق عليهن ، مما يفتح الله عليه من خيرات هذه البلاد ، فجاءتْ هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ … } [ الأحزاب : 28 ] لتقرر أن الإسلام ما جاء ليحقق مزيَّة لرسول الله ، ولا لآل رسول الله ، حتى الزكاة لا تصح لأحد من فقراء بني هاشم . لكن مجيء الآية هكذا بصيغة الأمر : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ … } [ الأحزاب : 28 ] دليل على حدوث شيء منهن يدلّ على تطلعهن إلى زينة الحياة ومُتَعها . وقد رُوِي عن عمر - رضي الله عنه أنهن اجتمعْنَ يسألْنَ رسول الله النفقة ، وأنْ يُوسِّع عليهن بعد أنْ قال صلى الله عليه وسلم عن الكفار : لن يغزونا ، بل نغزوهم وبعد أنْ بشَّرتهم الآيات بما سيُفتح من أرض جديدة . وقوله تعالى : { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [ الأحزاب : 28 ] يعني : ليس عندي ما تتطلَّعْن إليه من زينة الدنيا وزخرفها ، ومعنى { فَتَعَالَيْنَ … } [ الأحزاب : 28 ] نقول : تعاليْن يعني : أقبلْنَ ، لكنها هنا بمعنى ارتفعْنَ من العلو ، ارتفعْنَ عن مناهج البشر والأرض ، وارتقينَ إلى مناهج خالق البشر ، وخالق الأرض لأن السيادة في منهج الله ، لا في مُتَع الحياة وزخرفها . وقد ورد هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … } [ الأنعام : 151 ] فتعالوْا أي : ارتفعوا عن قوانين البشر وقوانين الأرض إلى قوانين السماء لأنه يُشترط فيمَنْ يضع القانون ألاَّ يفيد من هذا القانون ، وأن يكون مُلِماً بكل الجزئيات التي يتعرض لها القانون والبشر مهما بلغتْ قدرتهم ، فإنهم يعلمون شيئاً ويجهلون آخر لذلك لا ينبغي أَنْ يُقنِّن لهم إلا خالقهم عز وجل . ومعنى { أُمَتِّعْكُنَّ … } [ الأحزاب : 28 ] أي : أعطيكُنَّ المتعة الشرعية التي تُفْرض للزوجة عند مفارقة زوجها ، والتي قال الله فيها : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 241 ] . وقوله { وَأُسَرِّحْكُنَّ … } [ الأحزاب : 28 ] التسريح هنا يعني الطلاق { سَرَاحاً جَمِيلاً } [ الأحزاب : 28 ] ذلك يدلُّ على أن المفارقة بين الزوجين إنْ تمتْ إنما تتم بالجمال أي : اللطف والرقة والرحمة بدون بشاعة وبدون عنف لأن التسريح في ذاته مفارقة مؤلمة ، فلا يجمع الله عليها شدتين : شدة الطلاق ، وشدة العنف والقسوة . ولك أنْ تلحظ أن لفظ الجمال يأتي في القرآن مع الأمور الصعبة التي تحتاج شدة ، واقرأ قوله تعالى : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ … } [ يوسف : 83 ] والصبر يكون جميلاً حين لا يصاحبه ضَجَر ، أو شكوى ، أو خروج عن حَدِّ الاعتدال . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض على زوجاته التسريح الجميل الذي لا مشاحنةَ فيه ولا خصومةَ إنْ اخترْنَهُ بأنفسهن ، وما كان رسول الله ليمسك زوجة اختارتْ عليه أمراً آخر مهما كان . وللعلماء كلام طويل في هذه المسألة : هل يقع الطلاق بهذا التخيير ؟ قالوا : التخيير لَوْنٌ من حب المفارقة الذي يعطي للمرأة - كما نقول مثلاً : العِصْمَة في يدها - فهي إذن تختار لنفسها ، فإنْ قَبِلت الخيار الأول وقع الطلاق ، وإن اختارت الآخر فَبِها ونعمتْ ، وانتهتْ المسألة . وأمرُ الله لرسوله أن يقول لزوجاته هذا الكلام لا بُدَّ أنْ يكون له رصيد من خواطر خطرتْ على زوجاته صلى الله عليه وسلم لَمَّا رأيْنَ الإسلام تُفْتح له البلاد ، وتُجبى إليه الخيرات ، فتطلَّعْن إلى شيء من النفقة . وكلمة الأزواج : جمع زوج ، وتُقال للرجل وللمرأة ، والزوج لا يعني اثنين معاً كما يظن البعض ، إنما الزوج يعني الفرد الذي معه مثله من جنسه ، ومثله تماماً كلمة التوأم ، فهي تعني واحد لكن معه مثله ، والدليل على ذلك قوله تعالى : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ … } [ الذاريات : 49 ] يعني : ذكر وأنثى ، فالذكر وحده زوج ، والأنثى وحدها زوج ، وهذه القسمة موجودة في كل المخلوقات . وتُجمع زوج أيضاً على زوجات . ونلحظ في الأسلوب هنا أن الحق سبحانه حين يعرض على رسوله أنْ يُخيِّر زوجاته بين زينة الدنيا ونعيم الآخرة يستخدم إنْ الدالة على الشكِّ ، ولا يستخدم مثلاً إذَا الدالة على التحقيق ، وفي هذا إشارة إلى عدم المبالغة في اتهامهن ، فالأمر لا يعدو أنْ يكون خواطر جالتْ في أذهان بعض زوجاته . وتعلمون أن سيدنا رسول الله جمع من النساء تسعاً معاً ، منهن خمسٌ من قريش ، وهُنَّ : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة ابنة أبي أمية ، ومن غير قريش : صفية بنت حيي بن أخطب الذي ذكرنا قصته في الأحزاب ، ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ، ثم ميمونة بنت الحارث الهلالية - ومَنْ ذهب عند التنعيم وجد هناك بئر ميمونة ، ثم زينب بنت جحش من بني أسد ، هؤلاء هُنَّ أمهات المؤمنين التسعة اللائي جمعهنَّ رسولُ الله معاً . فلما سألْنَ رسول الله النفقة كانت أجرأهُنَّ في ذلك السيدة حفصة بنت عمر ، وقد حدث بينها وبين رسول الله مُشَادّة في الكلام ، فقال لها : " ألا تحبين أنْ أستدعي رجلاً بيننا ؟ " فوافقتْ ، فأرسل إلى عمر ، فلما جاء قال لها رسول الله : تكلَّمي أنت - يعني : اعرضي حاجتك - فقالت : بل تكلم أنت ، ولا تقل إلا حقاً . أثارت هذه الكلمة حفيظة سيدنا عمر ، فهاج وقام إلى ابنته فوجأها ، فحجزه رسول الله فتناولها ثانية فوجأها ، ثم قال لها : إن رسول الله لا يقول إلا حقاً ، ووالله لولا أنَّا في مجلسه ما تركتُك حتى تموتي ، فقام رسول الله من المجلس ليفضَّ هذا النزاع ، وذهب إلى حجرته ، واعتكف بها ، وقاطع الأمر كله مدة شهر . وتأمل قول الله تعالى : { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا … } [ الأحزاب : 28 ] فأيُّ وَصْف أحقر ، وأقلّ لهذه الحياة من أنها دُنْيا ؟ وما فيها من مُتَع إنما هي زينة ، يعني : ترف في المظهر ، لا في الجوهر ، كما قال سبحانه في موضع آخر : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ … } [ الحديد : 20 ] . ثم يعرض رسول الله على زوجاته الخيار الثاني المقابل للحياة الدنيا : { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } .