Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلمة أحد تُستخدم في اللغة عدة استخدامات ، فنقول مثلاً في العدد : أحد عشر إنْ كان المعدودُ مذكراً ، وإحدى عشرة إن كان المعدود مؤنثاً ، أما في حالة النفي فلا تُستعمل إلا بصيغة واحدة أحد ، وتدل على المفرد والمثنى والجمع ، وعلى المذكر والمؤنث ، فتقول : ما عندي أحد ، لا رجلٌ ولا امرأة ولا رجلان ولا امرأتان ، ولا رجال ولا نساء ، لذلك جاء قوله تعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] . وقوله سبحانه : { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ … } [ الأحزاب : 32 ] هذه خصوصية لهن لأن الأشياء تمثل أجناساً وتحت الجنس النوع ، فالإنسان مثلاً جنس ، منه ذكر ومنه أنثى ، وكل نوع منهما تحته أفراد ، والذكر والأنثى لم يفترقا إلى نوعين بعد أنْ كانا جنساً واحداً ، إلا لاختلاف نشأ عنهما بعد اتفاق في الجنس فالجنس حَدٌّ مُشترك : حيٌّ ناطق مفكر ، فلما افترقا إلى نوعين صار لكل منهما خصوصيته التي تُميِّزه عن الآخر . كما قلنا في الزمن مثلاً ، فهو ظرف للأحداث ، فإنْ كانت أحداثَ حركة فهي النهار ، وإنْ كانت أحداثَ سُكُون فهي الليل ، فالليل والنهار نوعان تحت جنس واحد هو الزمن ، ولكل منهما خصوصيته ، وعلينا أن نراعي هذه الخصوصية ، فلا نخلط بينهما . وتأمل قول الله تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 1 - 4 ] . فالليل والنهار متقابلان متكاملان لا متضادان ، كذلك الذكر والأنثى ، ولكلٍّ دوره ومهمته الخاصة ، فإنْ حاولتَ أنْ تجعلَ الليل نهاراً ، أو الذكر أنثى أو العكس ، فقد خالفتَ هذه الطبيعة التي اختارها الخالق سبحانه . وحكينا قصة الرجل الذي مرَّ على عمدة القرية ، فوجده يضرب غفيراً عنده ، فدافع عن الغفير وقال للعمدة : لماذا تضربه يا عم إبراهيم ؟ قال : مررتُ عليه ووجدتُه نائماً ، فقال الرجل : نام لأنه قضى النهار يروي لك أرضك ، ومَنْ يحرث لا يحرس . إذن : تحت الجنس النوع ، وهذا النوع غير متكافىء لأنه لو تساوى لكان مكرراً لا فائدة منه ، إنما يختلف الأفراد ويتميزون لذلك لا تظن أنك تمتاز عن الآخرين لأن الله تعالى وزَّع المواهب بين خَلْقه ، فأنت تمتاز في شيء ، وغيرك يمتاز في شيء آخر ، ذلك ليرتبط الناس في حركة الحياة ارتباطَ حاجةٍ ، لا ارتباطَ تفضُّل كما قُلْنا . لذلك ، فالرجل الذي يكنس لك الشارع مُميَّزٌ عنك لأنه يؤدي عملاً تستنكف أنت عن أدائه ، وإذا أدَّى لك هذا العامل عملاً لا بُدَّ أنْ تعطيه أجره ، في حين إذا سألك مثلاً سؤالاً وأنت العالم أو صاحب المنصب … إلخ فإنك تجيبه ، لكن دون أنْ تأخذ منه أجراً على هذا الجواب ، وقد مكثتَ أنت السنوات الطوالَ تجمع العلم وتقرأ وتسمع ، إلى أنْ وصلتَ إلى هذه الدرجة ، وصارت لك خصوصية ، إذن : لكل منا ، ذكر أو أنثى ، فردية شخصية تُميِّزه . هنا يقول الحق سبحانه لنساء النبي { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ … } [ الأحزاب : 32 ] هذه هي الخصوصية التي تُميِّزهن عن غيرهن من مطلق النساء ، فمطلق النساء لَسْنَ قدوة ، إنما نساء النبي خاصة قدوة لغيرهن من النساء وأُسْوة تُقتدى . والشرط بعد هذا النفي { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ … } [ الأحزاب : 32 ] يعني : أن زوجيتهن لرسول الله ليست هذه ميزة ، إنما الميزة والخصوصية في تقواهن لله ، وإلا فهناك من زوجات الأنبياء مَنْ كانت غير تقية . وقوله تعالى : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ … } [ الأحزاب : 32 ] أي : اقْطَعْنَ طريق الفاحشة من بدايته ، ولا تقربن أسبابها ، واتركْنَ الأمور المشتبهة فيها . ومعنى الخضوع بالقول أنْ يكون في قول المرأة حين تخاطب الرجال ليونة ، أو تكسُّر ، أو ميوعة ، أو أن يكون مع القول نظرات أو اقتراب . فإذا اضطررتُنَّ لمحادثة الرجال فاحذرْنَ هذه الصفات { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ … } [ الأحزاب : 32 ] والمعنى : أنا لا أتهمكُنَّ ، إنما الواحدة منكُنَّ لا تضمن الرجل الذي تُحدِّثه ، فربما كان في قلبه مرض ، فلا تعطيه الفرصة . وليس معنى عدم الخضوع بالقول أنْ تُكلِّمْنَ الناسَ بغلظة وخشونة ، إنما المراد أن تكون الأمور عند حدودها لذلك يقول سبحانه بعدها { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ الأحزاب : 32 ] فلما نهى القرآن عن التصرف غير المناسب عرض البديل المناسب ، وهو القول المعروف ، وهو من المرأة القول المعتدل والسماع بالأذن دون أنْ تمتد عينها إلى مُحدِّثها لأن ذلك ربما أطمعه فيها ، وجرَّأه عليها ، وهذا ما يريد الحق سبحانه أنْ يمنعه . لذلك حُكِي أن رجلاً رأى خادمته على الباب تُحدِّث شاباً وسيماً ، وكان يسألهَا عن شيء ، إلا أنها أطالتْ معه الحديث ، فضربها ربُّ البيت ونهرها على هذا التصرف ، وفي اليوم التالي جاء شاب آخر يسألها عن نفس الشيء الذي سأل عنه صاحبه بالأمس ، فبادرته بالشتائم والسُّباب بعد أنْ ظهر لها ما في قلب هذا ، وأمثاله من مرض . وفي موضع آخر من هذه السورة سيأتي : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب : 59 ] لأن الرجل حين يجد المرأة محتشمة تستر مفاتن جسمها لا يتجزأ عليها ، ويعلم أنها ليستْ من هذا الصنف الرخيص ، فيقف عند حدوده . وقد قال الحكماء : أما إذا رأيتَ امرأةً تُظهر محاسنها لغير محارمها وتُلِحُّ في عرض نفسها على الرجال ، فكأنها تقول للرجل فتح يا بجم تقول للغافل تنبه . فتستثير فيه شهوته ، فَيَتَجَرَأْ عليها . فالحق سبحانه يريد لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم أولاً أنْ يُكلِّمْنَ الناس من وراء حجاب ، وأنْ يُكلِّمْنَ الناس بالمعروف كلاماً لا لينَ فيه ، ولا ميوعة حتى لا يَتعرَّضْنَ لسوء ، ولا يتجزأ عليهن بذيء أو مستهتر . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ … } .