Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 33-33)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ … } [ الأحزاب : 33 ] الزمنها ولا تُكثِرْن الخروج منها ، وهذا أدب للنساء عامة لأن المرأة إذا شغلتْ نفسها بعمل المطلوب منها في بيتها وفي خدمة زوجها وأولادها ومصالحهم لما اتسع الوقت للخروج لذلك كثيراً ما يعود الزوج ، فيجد زوجته مُنهمِكة في أعمال البيت ، وربما ضاق هو نفسه بذلك لأنه لا يجدها متفرغة له . إذن : المرأة المفلسة في بيتها هي التي تُكثِر الخروج ، وتقضي مصالح بيتها من خارج البيت ، ولو أنها تعلمتْ الصناعات البسيطة لَقضَتْ مصالح بيتها ، ووفَّرتْ على زوجها ، وقد حكوا لنا عن النساء في دمياط مثلاً ، كيف أن المرأة هناك تعمل كل شيء وتساعد زوجها ، حتى أن البنت تتعلم حرفة ، ولا ترهق أباها عند زواجها ، بل وتوفر من المال ما يساعد زوجها بعد أن تتزوج . وقوله تعالى : { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ … } [ الأحزاب : 33 ] كلمة التبرج من البُرْج ، وهو الحصن ، ومعنى تبرَّج أي : خرج من البرج وبرز منه ، والمعنى : لا تخرجن من حصن التستر ، ولا تبدين الزينة والمحاسن الواجب سَتْرُها . وقال { تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ … } [ الأحزاب : 33 ] أي : ما كان من التبرج قبل الإسلام ، وكانت المرأة - ونعني بها الأَمَة لا الحرة - تبدي مفاتن جسمها ، بل وتظهر شبه عارية ، وكُنَّ لا يجدْنَ غضاضة في ذلك ، وقد رأينا مثل هذا مثلاً في إفريقيا . أما الحرائر في الجاهلية ، فكانت لهُنَّ كرامة وعِفّة ، في حين كانت تُقام للإماء أماكن خاصة للدعارة والعياذ بالله لذلك لما أخذ رسول الله العهد على النساء المؤمنات ألاَّ يَزْنين قالت امرأة أبي سفيان : أو تزني الحرة يا رسول الله ؟ يعني : هذا شيء مستنكف من الحرة ، حتى في الجاهلية . ومن معاني البرج : الاتساع ، فيكون المعنى : لا تُوسِّعْنَ دائرة التبرج التي حددها الشرع ، وهي الوجه والكفان . وفي موضع آخر ، قال تعالى : { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ … } [ النور : 60 ] . وتعجب من المرأة تبلغ الخمسين والستين ، ثم تراها تضع الأحمر والأبيض ، ولا تخجل من تجاعيد وجهها ، ولا تحترم السنَّ التي بلغتْها . ثم يقول سبحانه : { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ … } [ الأحزاب : 33 ] كثيراً ما قرن القرآن بين الصلاة والزكاة ، وبدأ بالصلاة لأنها عمدة التكاليف كلها ، وإنْ كنتَ في الزكاة تنفق بعض المال ، والمال فرع العمل ، والعمل فرع الزمن ، فأنت في الصلاة تنفق الزمن نفسه وتضحي به ، فكأنك في الصلاة تنفق نسبة سبعة وتسعين ونصف بالمائة ، فضلاً عن الاثنين ونصف نسبة الزكاة . كما يُفهم من إيتاء الزكاة هنا أن للمرأة ذمتها المالية الخاصة المستقلة عن ذمة الغير من أب أو زوج أو غيره ، بدليل أن الله كلفها بإيتاء الزكاة ، لكن الحضارة الحديثة جعلتْ مال المرأة قبل الزواج للأب ، وبعد الزواج للزوج ، ثم سلبتْ المرأة نسبتها إلى أبيها ، ونسبتها بعد الزواج لزوجها . وهذه المسألة أشدُّ على المرأة من سَلْبها المال لأن نسبتها لزوجها طمْسٌ وتَعَدٍّ على هُويتها ، وانظر مثلاً إلى السيدة عائشة ، فما زلنا حتى الآن نقول " عائشة بنت أبي بكر " ولم يقل أحد انها عائشة امرأة محمد . ثم يقول تعالى : { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } [ الأحزاب : 33 ] لأن المسألة لا تقتصر على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، إنما هناك أمور أخرى كثيرة تحتاج طاعة الله وطاعة رسول الله . ونلحظ هنا أن الآية عطفت رسول الله على ربه تعالى ، وجاء الأمر واحداً { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } [ الأحزاب : 33 ] وحين نستقرىء هذا الأمر في القرآن الكريم نجده مرة يُكرِّر الفعل ، فيقول : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ التغابن : 12 ] . ومرة : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ … } [ آل عمران : 132 ] . ومرة يقول تعالى : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ … } [ النساء : 59 ] . وهذه الصيغ ، لكلٍّ منها مدلول ومعنى ، فساعةَ يقول : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، كأن لله في الأمر طاعةً في الإجمال ، وللرسول طاعة في التفصيل ، فالحق سبحانه أمر بالصلاة وأمر بالزكاة أَمْرَ إجمال ، ثم بيَّن الرسول ذلك وفصَّل هذا الإجمال ، فقال : " صَلُّوا كما رأيتموني أصلي " وقال : " خُذُوا عنِّي مناسككم " . إذن : تكرر الفعل هنا لأن لله طاعةً في إجمال الحكم ، وللرسول طاعة في تفصيله ، فإنْ جعل الفعل واحداً { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ … } [ آل عمران : 132 ] فهذا يعني توارد أمر الله تعالى مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالطاعة إذن واحدة ، وهَبْ أن الله تعالى له فِعْل ، ورسوله له فِعْل ، فلا يفصل أحدهما عن الآخر ، بدليل قوله تعالى : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ … } [ التوبة : 74 ] . فلم يَقُلْ : وأغناهم رسوله حتى يقول قائل : كل منهما يُغْنى بقدرة ، انما جاء الفعل واحداً { أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ … } [ التوبة : 74 ] . واقرأ أيضاً قوله تعالى : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 62 ] ولم يقل : يرضوهما . أما قوله تعالى : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ … } [ النساء : 59 ] فلم يُكرِّر الأمر بالطاعة مع أولي الأمر لأنه لا طاعة لوليِّ الأمر إلا من باطن طاعة الله ، وطاعة رسول الله . ثم يقول سبحانه : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [ الأحزاب : 33 ] الرجس بالسِّين هو الرِّجز بالزاي ، وهو القذارة ، سواء أكانت حسية كالميتة مثلاً ، وكالخمر ، أو معنوية كالآثام والذنوب ، وقد جمعتْها الآية : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة : 90 ] وقد يُراد بالرجس : النفاق والمرض . وكلمة أهل تُقال : لعشيرة الرجل ، لكنها تُطلَق في عُرْف الاستعمال على امرأته ، ومن بقية الاصطلاحات لهذا المعنى ما نقوله الآن حين نذهب لزيارة صديق مثلاً فنقول : معي الأهل أو الجماعة ، والبعض يقول : معي الأولاد ، ونقصد بذلك الزوجة ، لماذا ؟ قالوا : لأن أمر المرأة مبنيٌّ على الستر ، فإذا كان اسمها مبنياً على الستر ، فكذلك معظم تكليفاتها مبنية على الستر في الرجل ، ونادراً ما يأتي الحكم خاصاً بها . لذلك ، السيدة أسماء بنت عميس زوجة سيدنا جعفر بن أبي طالب ، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة ، فلما عادت سألتْ : أنزلَ شيء من أمر المرأة في غَيْبَتي ؟ فقالوا لها : لم ينزل شيء ، فذهبت إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : يا رسول الله ، ما أعظم خيبتنا وخسارتنا ، فليس لنا في الأحكام شيء ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكن مستورات في الرجال " . ومع ذلك نزل القرآن الكريم بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] . وتلحظ في هذه الآية أيضاً { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [ الأحزاب : 33 ] أنها تتحدث عن النساء ، لكنها تراعي مسألة سَتْر المرأة فتعود إلى ضمير الذكور { لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ … } [ الأحزاب : 33 ] ولم تقُلْ عنكُنَّ ، كذلك في { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [ الأحزاب : 33 ] ويصحّ أنه يريد أهلَ البيت جميعاً رجالاً ونساءً .