Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 37-37)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { وَإِذْ تَقُولُ … } [ الأحزاب : 37 ] واذكر جيداً وأدِرْ مسألة زيد في رأسك ، اذكر إذ تقول للذي أنعم الله عليه بالإيمان - والمراد زيد وأنعمتَ عليه بالعتق أولاً ، وأنعمت عليه بقانون البشرية بأنْ جعلْتَه ابناً لك وأنعمتَ عليه بأن زوَّجته ، وهو عبد ، من قرشية ، هي ابنة عمتك ، ثم أنعمتَ عليه حين قُلْت له { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 37 ] . لكن ، لماذا قُلْتَ له هذه الكلمة يا محمد ؟ أخوفاً من كلام الناس أنْ يقولوا : تزوَّج من امرأة مُتبنَّاه ؟ كيف وهذا مقصود من الله تعالى ، إنه يريد أن يُنهي عادة التبني ، وأنْ يُنهيها على يدك أنت ، فأنت تخفيه خوفاً من كلام الناس ، وقد أبداه الله حين أخبرك بهذه المسألة ، وأن نهايتها ستكون على يديك بأنْ تتزوج امرأة مُتبنَّاك { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ … } [ الأحزاب : 37 ] فدعْكَ من الناس . لذلك قال سبحانه في موضع آخر : { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 39 ] . وسبق أن أوضحنا أن خشيته صلى الله عليه وسلم لم تكن خشية خوف من شيء يضره ، إنما خشية استحياء ليدفع رسول الله الشبهة عن نفسه . وقوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا … } [ الأحزاب : 37 ] الوطر : هو الأشياء التي تناسب معاش الرجل ، فمعناه الغاية أو الحاجة ، وسبق أن قُلْنا : إن وطر الرجل من زوجته أن تكون سكناً ، فإن لم يكُنْ ، فمودة تجمعهما ، فإنْ لم يَكُنْ فرحمة متبادلة . وقد افتقد زيد في زوجته كل هذه المراحل ، فلم يجد معها ، لا السكن ، ولا المودة ، ولا الرحمة ، فلماذا - إذن - يستمر في الارتباط بها ؟ لذلك كان يذهب إلى رسول الله ، فيشتكي له ما يلاقي من زينب ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 37 ] . وتأمل هنا هذه الرياضة الإيمانية بين سيدنا رسول الله وزيد وزينب رضي الله عنهما : لما طلِّق زيدٌ زينب تركها رسول الله لتقضي عدَّتها ، فلما قضتْ العِدَّة قال : يا زيد اذهب إلى زينب فاخطبها عليَّ ، فما هذه العظمة ؟ رسول الله يبعث المطلِّق ليخطب له المطلَّقة ، وهذا يدل على ثقته في زيد ، وأنه قد قضى وطره من زينب ، ولم يَعُدْ له فيها حاجة . ويدخل زيد على زينب ، فيقول لها : أبشري يا زينب ، لقد بعثني رسول الله لأخطبك له ، فقالت : والله لا أجيب حتى أسجد شكراً لله ، فقامت زينب فسجدتْ ، عندها عاد زيد إلى رسول الله ، فأخبره ما كان من زينب فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليها بلا استئذان . تُرى لماذا يدخل عليها سيدنا رسول الله بلا استئذان ؟ قالوا لأنها حينئذ صارت زوجته ، كما قال سبحانه { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا . . } [ الأحزاب : 37 ] أي : زوَّجه الله بها من فوق سبع سماوات . لذلك كانت السيدة زينب حين تجلس مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم - وهذه أيضاً من الرياضيات الإيمانية - تقول لهن : إني لأفتخر عليكن جميعاً بأنكن زوجكُنَّ أولياؤكن ، أما أنا فزوَّجني ربي ، فلا تجرؤ إحداهن على الردِّ عليها . ليس هذا فحسب ، إنما تُدِلُّ أيضاً على سيدنا رسول الله ، فتقول له : يا رسول الله ، أنا أُدِلُّ عليك بثلاث ، فيضحك سيدنا رسول الله ويقول : أما الأولى ؟ فتقول : أما الأولى فجدِّي وجدُّك واحد ، وأما الثانية فلأن الله زوَّجني من فوق سبع سماوات ، وأما الثالثة فلأن سفيري في الزواج لم يكُن زيداً ، إنما كان جبريل . فأيُّ عظمة هذه التي نلاحظها في هذه القصة ، وأيُّ رياضة إيمانية عالية من رسول الله وصحابته ؟ إذن : لم يتزوج رسول الله من زينب ، إنما زوَّجه ربه لذلك نقول للمغرمين بالخوض في هذه المسألة ، يحسبونها سُبَّة في حق رسول الله : افهموا الفرق بين زُوِّج وتزوج . تزوج أي : بنفسه وبرغبته ، إنما زُوِّج أي زوَّجه غيره ، وكلمة { زَوَّجْنَاكَهَا … } [ الأحزاب : 37 ] تحتوي على الفعل زوَّج والضمير نا فاعل يعود على الحق سبحانه ، والكاف لخطاب رسول الله ، وهي مفعول أول ، والهاء تعود على السيدة زينب ، وهي مفعول ثانٍ للفعل زوَّج . فرسول الله في هذه المسألة ، وفي كل زوجاته لم يخالف عن أمر الله . فلتكونوا منصفين لأن المسألة ليستْ عند محمد ، إنما عند رب محمد ، واقرأوا إن شئتم : { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] . ثم هَبُوا - جدلاً - أن محمداً فعلها ، ما العيب فيها وقد كان التعدُّد موجوداً ، ولم ينشىء رسول الله تعدُّداً ، كان التعدُّد موجوداً في الأنبياء والرسل ، وفيكم وعندكم . أما الذين يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه وسَّع على نفسه ، فتزوَّج تسعاً ، وضيَّق على أمته بأربعة ، فالرد على ذلك أن الله تعالى حكم بأن زوجات الرسول أمهاتٌ للمؤمنين ، وما دُمْنَ أمهات للمؤمنين ، فليس لأحد أنْ يتزوَّجهُنَّ بعد رسول الله ، أمّا غيرهن من المؤمنات فإنْ كان مع الرجل سبعة مثلاً ، فعليه أنْ يفارق ثلاثة منهن ، وهؤلاء الثلاثة سيجدْنَ مَنْ يتزوج بهنَّ ، إذن : على الرسول أنْ يُمسِك زوجاته كلهن ، وعلى غيره من المؤمنين أنْ يفارقوا ما زاد على أربع . شيء آخر : تظنون أن رسول الله وسَّع الله له هذه المسألة ، والحقيقة أن الله ضيَّق عليه إذا ما قارناه بغيره من عامة المؤمنين ، فالمؤمن له أنْ يمسك أربعَ زوجات ، فإذا ماتت إحداهن تزوج بأخرى ، وإنْ طلَّق إحداهن تزوج بدلاً منها ، فإن مُتْنَ جميعاً أو طلَّقهن ، فله أنْ يتزوَّج غيرهن حتى يكمل الأربعة ، وهكذا يكون للمؤمن أن يتزوَّج بعدد كثير من النساء . أما رسول الله - نعم تزوج تسعاً - لكن خاطبه ربه بقوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ … } [ الأحزاب : 52 ] فمَن الذي ضيِّق عليه إذن ؟ محمد أم أمته ؟ ثم يا قوم تنبهوا إلى الفرق بين الاستثناء في العدد والاستثناء في المعدود ، هل استثنى الله نبيه في العدد من أربع إلى تسع ، أم استثناه في معدود بذاته ، استثناه في المعدود لا في العدد ، لأنه لو استثناه في العدد لكان له إذا ماتتْ إحدى زوجاته أنْ يتزوَّج بأخرى ، إنما وقف به عند معدود بذاته ، بحيث لو ماتوا جميعاً ما كان له صلى الله عليه وسلم أنْ يتزوَّج بعدهن . وبعد ذلك أظلَّ الحكمُ على رسول الله هكذا ؟ لا ، إنما كان في بداية الأمر وبعد ذلك حينما استقرتْ الأمور وأَمِن الله رسولَه قال له : افعل ما تشاء ، لأنك مأمون على أمتك . ثم نقول : هَبُوا أن رسول الله له اختيار في هذه المسألة ، ولم تكن مُسْبقة ، ألم يُؤدِّ فِعْلُه هذا إلى إلغاء عادة التبني ؟ ثم أنُزِعَتْ الرسالة من رسول الله بعد أنْ فعل ما فعل ؟ إذن : لا يتناقض مراد الله ومراد رسول الله . والذين تناولوا سيدنا رسول الله في هذه المسألة مثل الذين تناولوا سيدنا يوسف - عليه السلام - لما قال الله فيه : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا … } [ يوسف : 24 ] وكأنهم أكثر غيرةً على يوسف من ربه عز وجل ، نعم همَّ بها يوسف أي : فكَّر فيها أو غير ذلك ، ولن نقول لكم على الصواب لتظلوا في حيرتكم ، لكن أنزعَ الله منه الرسالةَ بعد ما همَّ بها ؟ إذن : همُّه بها لم يناقض الرسالة ، فما تقولونه في هذه المسألة فضول منكم . ثم تأتي العلة في هذه المسألة { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً … } [ الأحزاب : 37 ] ثم تختم الآية بما لا يدع مجالاً للشك في رسول الله : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } [ الأحزاب : 37 ] أي : لا بُدَّ أن يحدث ، ولن يترك لأيِّ شخص آخر ، حتى لا تفسد القضية في إلغاء عادة التبني ، إذن ، فزواج رسول الله من امرأة مُتبنَّاه ما كان إلا لرفع الحرج عن جميع المؤمنين ، والآن يصح لكل مُتبنٍّ أن يتزوج امرأة مُتبنَّاه .