Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : إياك أن تظن أن واحداً من هؤلاء سوف يساعدك في أمرك ، او أنه يملك لك ضراً ولا نفعاً ، فلا تُحسِن الظن بأوامرهم ولا بنواهيهم ، ولا تتوكل عليهم في شيء ، إنما توكل على الله . ولا بُدَّ أن نُفرق هنا بين التوكل والتواكل : التوكل أن تكون عاجزاً في شيء ، فتذهب إلى مَنْ هو أقوى منك فيه ، وتعتمد عليه في أن يقضيه لك ، شريطة أن تستنفد فيه الأسباب التي خلقها الله لك ، فالتوكل إذن أن تعمل الجوارح وتتوكل القلوب . وقد ضرب لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً توضيحياً في هذه المسألة بالطير ، فقال : " لو توكلتم على الله حقَّ توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً " . أما التواكل فأنْ ترفضَ الأسباب التي قدمها الله لك ، وتقعد عن الأَخْذ بها ، وتقول : توكلت على الله ، لا إنما استنفد الأسباب الموجودة لك من ربك ، فإنْ عزَّتْ عليك الأسباب فلا تيأس لأن لك رباً أقوى من الأسباب لأنه سبحانه خالق الأسباب . لذلك ، كثير من الناس يقولون : دعوتُ الله فلم يستجب لي ، نقول : نعم صدقت ، وصدق الله معك لأن الله تعالى أعطاك الأسباب فأهملتها ، فساعة تستنفد أسبابك ، فثِقْ أن ربك سيستجيب لك حين تلجأ إليه . واقرأ قوله تعالى : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ … } [ النمل : 62 ] والمضطر هو الذي عزَّتْ عليه الأسباب ، وخرجتْ عن نطاق قدرته كما حدث لسيدنا موسى - عليه السلام - حين حاصره فرعون وجنوده حتى قال قوم موسى : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] . نعم ، مدركون لأن البحر من أمامهم ، والعدو من خلفهم ، هذا رأي البشر وواقع الأمر ، لكن لموسى منفذ آخر فقال : كلا يعني لن نُدْرَك { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] قالها موسى عن رصيد إيماني وثقة في أن الله سيستجيب له . والبعض يقول : دعوتُ الله في كذا وكذا ، وأخذت بكل الأسباب ، فلم يستجب لي ، نقول : نعم لكنك لَسْتَ مضطراً ، بل تدعو الله عن ترف كمن يسكن مثلاً في شقة ويدعو الله أنْ يسكن في فيلا أو قصر ، فأنت في هذه الحالة لست مضطراً . ثم يذكر الحق سبحانه حيثية التوكل على الله ، فيقول : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ الأحزاب : 3 ] أي : يكفيك أنْ يكون الله وكيلك لأنه لا شيء يتأبَّى عليه ، ولا يستحيل عليه شيء . وأحكي لكم قصة حدثت بالفعل معنا ، وكنا نسير مع بعض الإخوان فرأينا رجلاً مكفوف البصر يريد أنْ يعبر الشارع فقلنا لزميل لنا : اذهب وخذ بيده ، فنزل وعبر به الشارع ثم قال له : إلى أين تذهب ؟ قال : إلى المنزل رقم كذا في هذا الشارع ، فأخرج صاحبنا من جيبه عشرة جنيهات ووضعها في يد الرجل ، فلما أمسك بورقة العشرة جنيهات لم يلتفت إلى المعطي ، إنما رفع وجهه إلى السماء وقال : لا شيء يستحيل عليك أبداً ، ثم قال لصحابنا : يا بني أرجعني مكان ما كنت ! ! فقد قضيت حاجته التي كان يسعى لها ! ! نعم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ الأحزاب : 3 ] لأنه لا تعوزه أسباب ، ولا يُثنيه عن إرادته شيء { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ … } [ النحل : 96 ] . وفي التوكل ملحظ آخر ينبغي أنْ نتنبه إليه ، هو أنك إذا توكلتَ على أحد يقضي لك أمراً فاضمن له أنْ يعيش لك حتى يقضي حاجتك ، فكيف تتوكل على شخص وتُعلِّق به كل آمالك ، وفي الصباح تسمع نعيه : مات فلان ؟ إذن : لا ينبغي أن تتوكل إلا على الله الحي الذي لا يموت : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ … } [ الفرقان : 58 ] واستغنِ بوكالة الله عن كل شيء { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ الأحزاب : 3 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ … } .