Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 56-56)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالخير لأمته مُبشِّراً للمؤمنين ، نذيراً للكافرين ، وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على هداية قومه ، كما قال تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . كان صلى الله عليه وسلم يألم ويحزن إنْ تفلَّتَ أحدٌ من يده ، وخرج عن ساحة الإيمان ، وكان يُكلِّف نفسه في أمر الدعوة فوق ما يطيق ، وفوق ما طلب منه ، حتى خاطبه ربه بقوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] . ومعلوم أن سيدنا رسول الله لم يُطلَب منه إلا البلاغ فحسَبْ ، أما الهداية فمن الله عز وجل لأنه تعالى قال : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] . فلشدة حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية قومه عاتبه ربه لأنه شَقَّ على نفسه ، فالعتاب هنا لصالحه صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ … } [ التحريم : 1 ] . وهذا العتاب أشبه بعتابك لولدك الذي أرهق نفسه في المذاكرة ، حتى أنك أشفقتَ عليه ، فأنت لا تلومه على تقصير ، إنما على المبالغة في عمل لا تطيقه قوته . وقد ظهرت قمة حرْصه صلى الله عليه وسلم على أمته حين أنزل الله عليه : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 1 - 5 ] . فالتقطها رسول الله من ربه وجعلها لأمته ، فقال : " إذن : لا أرضى وواحد من أمتي في النار " . فإذا كان رسول الله حريصاً عليكم بهذا الشكل ، فهو يستحق منكم أنْ تُصلُّوا عليه لأن كل خير يناله يعُمُّ عليكم ، ويعود إليكم لذلك قال سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] . وتلحظ أن الخبر { يُصَلُّونَ … } [ الأحزاب : 56 ] خبر عن الله والملائكة فجمع الحق سبحانه بين صلاته وصلاة ملائكته ، والنبي صلى الله عليه وسلم سمع مرة خطيباً يخطب ، يقول : مَنْ يتَّقِ الله ورسوله يُثبْه الله ، ومَنْ يعصهما يعاقبه الله ، فقال صلى الله عليه وسلم له : " بِئْسَ خطيب القوم أنت " لماذا ؟ قالوا : لأنه جمع بين الله تعالى ورسوله في : ومن يعصهما ، وكان عليه أنْ يقول : ومَنْ يَعْصِ الله ورسوله ، فالله وحده هو الذي يجمع معه سبحانه مَنْ يشاء . قال سبحانه : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ … } [ التوبة : 74 ] . أما نحن ، فليس لنا أبداً أنْ نأتي بصيغة تشريكية بين الله تعالى وأحد من خَلْقه . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ . . } [ الأحزاب : 56 ] هكذا قال الله ، وجمع معه سبحانه مَنْ يشاء من خَلْقه ، وأنت لا يجوز لك أنْ تجمعَ هذا الجمع إلا إذا كنتَ تقرأه على أنه قرأن ، فإن أردتَ أنْ تنشىء كلاماً من عندك فلا بُدَّ أن تقول : الله يُصلِّي على النبي ، والملائكة يُصلُّون على النبي . لذلك احتاط علماء التفسير لهذه المسألة فقالوا أن يصلون ليست خبراً للكل ، إنما تقدير الخبر أن الله يصلي على النبي ، والملائكة يُصلُّون على النبي . وإذا كان الله يُصلِّي على النبي ، والملائكة يُصلُّون على النبي ، فماذا عنكم أنتم ؟ يجب أنْ تُصلوا أنتم كذلك على النبي { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] . سبق أنْ بينّا أن الصلاة من الله لها معنى ، ومن الملائكة لها معنى ، ومن المؤمنين المأمورين بها لها معنى ، فكُلٌّ بحَسْبه ، والصلاة في الأصل هي الدعاء ، والدعاء يقتضي داعياً ومدعواً له ومدعواً ، فمثلاً حين أدعو الله أنْ يغفر لفلان ، فأنا الداعي ، والله تعالى مدعو ، وفلان مدعو له ، فإذا كان المصلي والداعي هو الله عز وجل ، فمَنْ يدعو ؟ إذن : معنى الدعاء لا يأتي مع الله تعالى . لذلك قلنا : إنك لو نظرتَ إلى الأحداث تجد أن صاحبك مثلاً إذا قال لك أَعِدُك أنْ أعطيك غداً كذا وكذا ، فهذا وَعْد منه ، لا يملك هو من أسباب الوفاء به شيئاً ، أما إنْ قال لك : أدعو الله أنْ يعطيك كذا وكذا ، ونسب العطاء لله تعالى ، فهذا أَرْجَى للتحقيق لأنه منسوب إلى الله ، فإنْ قبل الدعاء تحقق المطلوب ، فإنْ كان الله تعالى هو الذي يأمر لك بهذا العطاء فلا بُدَّ أنْ تناله لا محالة . إذن : الصلاة من الله ليست بمعنى الدعاء ، إنما هي تنفيذ مباشر ورحمة شاملة وعامة ، ويكفي من رحمته تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنْ جعله خاتم الرسل ، فلا يستدرك عليه أحد ، يكفيه من رحمته وإنعامه وثنائه عليه أنْ قرن اسمه باسمه لذلك خاطبه بقوله : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشرح : 4 ] . يكفيه من تكريم الله له أنه سيقبل شفاعته يوم القيامة ، لا لأمته فحسب ، إنما للخَلْق جميعاً ، يكفيه أن الله تعالى خاطب كل رسله بأسمائهم المشخِّصة لهم ، وخاطبه هو بالوصف المكرم في { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ … } [ الممتحنة : 12 ] و { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ … } [ المائدة : 41 ] . أما عن صلاة الملائكة ، فهي دعاء ، واقرأ : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ غافر : 7 - 9 ] . فإذا كان الخَلْق جميعاً محلَّ صلاة الملائكة واستغفارهم ودعائهم ، حتى الذين أذنبوا منهم ، ثم تابوا ، فما بالك برسول الله ، وهو هادي الناس جميعاً . أما الصلاة من المؤمنين ، فهي الاستغفار ، واستغفارهم ليس لرسول الله ، إنما هو استغفارهم لأنفسهم لأن رسول الله جاء رحمةً لهم ، وما دام جاء رحمةً لهم كان من الواجب ألاَّ يغيب توقيره عن بالهم أبداً فَهُمْ إنِ استغفروا ، فاستغفار عن الغفلة عنه صلى الله عليه وسلم ، أو عن أنهم لم يتقدم اسمه ، فيصلون عليه . والمؤمن حين يُصلِّي على رسول الله ، ماذا يملك من عطاء يُؤدِّيه لرسول الله ؟ ماذا بأيدينا ؟ لذلك تأمل لفظ صلاتك على رسول الله ، إنك لا تقول أصلي ، ولكن تقول : اللهم صَلِّ على محمد ، أو صلَّى الله على محمد ، فتطلب مِمَّنْ هو أعلى منك أنْ يُصلي على رسول الله لأنه لا يوجد عطاء عندك تُؤدِّيه لرسول الله . إذن : فالصلاة من الله الرحمة العامة المطلقة ، والصلاة من الملائكة الدعاء ، والصلاة من المؤمنين الاستغفار . لذلك " سُئِلَ سيدنا رسول الله : يا رسول الله تلك صلاة الله ، وتلك صلاة الملائكة ، فما الصلاةُ عليك ؟ يعني كيف ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " قولوا اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميدٌ مجيدٌ " . ودخل عليه صحابي ، فقال : يا رسول الله ، ما رأيتك بهذه الطلاقة والبِشْر قبل اليوم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل جاءني فأخبرني أن مَنْ صلى عليَّ صلاة صلَّى الله بها عليه عشراً ، وكُتِب له عشر حسنات ومُحي عنه عَشْر سيئات " . وقال عمر رضي الله عنه : دخل رجل على رسول الله ، فسأله : ما الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ذلك من العلم المكنون ، ولولا أنكم سألتموني ما قلته : إن الله وكَّل بي ملكيْنِ ، فإذا صلَّى واحد عليَّ قال الملكان : غفر الله لك . ويقول الله : آمين وتقول الملائكة : أمين " . سبحان الله : الله عز وجل بذاته يُؤمِّن على دعاء الملكين . وقالوا : الصلاة على رسول الله فَرْض على المؤمن ، كالحج مرة واحدة في العمر ، لكنها واجبة عليه عند كل ذِكْر لرسول الله ، لذلك جاء في الحديث : " أبخل البخلاء من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ " . وقوله تعالى بعدها : { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] لك أنْ تلحظ في صدر الآية { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ … } [ الأحزاب : 56 ] ولم يَقُلْ سبحانه ويسلمون ، فلما أمر المؤمنين قال { صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] فزاد : وسلِّموا تسليماً . قال العلماء : لأن الصلاة على رسول الله لا تكون إلا مع التسليم له بمعنى طاعته والإذعان لأمره ، وأن تُسْلِم زمامك له في كل صغيرة وكبيرة ، وإلاَّ فكيف تُصلِّي عليه وأنت تعصي أوامره ، وقد قال تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ النساء : 65 ] . ومن معاني التسليم أن نقول : السلام عليك أيها النبي كما نقول في التشهُّد ، والسلام اسم من أسماء الله ، ومعنى : السلام عليك يا رسول الله أي : جعل الله لك وقاية ، فلا ينالك أحد بسوء . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ … } .